٩٢٧. هل أخطأ القرآن بتقديمه عيسى على غيره
فى الآية : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (١٦٣) (النساء) ، قال المستشرقون ـ وخاصة هوروفتس ـ هذا الدعىّ الأفّاق ، أن القرآن أو بالأحرى محمد ، أخطأ فى ترتيب الأنبياء : فوضع عيسى قبل أيوب ، وسليمان قبل داود ، ويونس قبل هارون ، وأيوب قبل يونس وقبل هارون وداود وسليمان ، وكل ذلك خطأ ويكشف زيف محمد كنبىّ! وهوروفتس هو الذى أخطأ ، لأنه فى أول الآية تقدّم النبىّ صلىاللهعليهوسلم على سائر الأنبياء الذين جاءوا قبله ، فنعلم أن مقياس التقديم والتأخير باعتبار قدر وشرف هذا النبىّ أو ذاك ، مثل قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) (٧) (الأحزاب) ، فخصّ النبىّ صلىاللهعليهوسلم بالذكر أولا ، وخصّ آخرين بالتقدمة على غيرهم تشريفا لهم ، وقدّم عيسى على أنبياء كانوا قبله. والواو لا تقتضى الترتيب ، وتخصيص عيسى بهذه المرتبة هو ردّ على اليهود الذين ينكرونه ، وتحقيق لنبوته ، وقطع لما رآه اليهود فيه ، ودفع لاعتقادهم. ولم يكن خطأ ولا سوء تصحيف أن أطلق القرآن على مزامير داود اسم «الزبور» ، والمزاميرpsalms اليهودية ، أشعار دينية ترنّم أصلا على صوت «المزمارpipe أوreed أوflute» ، والواحد مزمور ، وبالعبريةmizmor ، وبالحبشيةmazmur ، وبالسريانيةmazmor ، واليهود أطلقوا عليها هذا الاسم لغلبة اعتبارها للزمر ، أى للموسيقى ، والقرآن أعطاها اسم «الزبور» باعتبارها كتاب للأناشيد من «الزبر» الذى هو الكتابة ، والأصحّ لها هو الاسم «زبور» كما أورده القرآن ، لأنه «كتاب أناشيد» وليس «نوتة موسيقية» ، والأصل فى الكلمة قوتها على التوثيق ، أى بيان الصواب والحق ، ويسمى الكتاب لذلك «زبورا» لقوة الوثيقة به. ومرة أخرى يخطئ هوروفتس وليس القرآن ولا محمد كما ادّعى!
* * *
٩٢٨. عمران موسى والصلة بينه وبين مريم أم المسيح
فى الآية : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (آل عمران) ، يؤكد القرآن على أن عمران ـ والد موسى ـ هو رأس الشجرة التى منها هارون ، والتى انحدرت منها مريم أم المسيح والمسيح ، بالتبعية. ولقد عرفنا مما سبق أن هناك عمرانين ، عمران الأول أبو موسى ، وهو معروف ومشهور ، وأوردت التوراة