الطائف ، فسميت «الطائف» باسمها ذاك لهذا السبب ، وليس فى أرض الحجاز بلدة فيها الشجر والأعناب والماء غيرها. وقيل : إن صاحب الجنة الأول قد أورثها أولاده الثلاثة ، وكانت العادة أن المساكين لهم كل ما يتعداه المنجل فلم يجذّه من الكرم ، فإذا طرح على البساط ، فكل شىء سقط عن البساط فهو أيضا للمساكين ، وهذه الطريقة يهودية ومذكورة ضمن زكاة الزرع فى كتابهم التوراة (سفر التكوين ٢٣ / ١٠) ، الأمر الذى يجعلنا نقول إن القصة عن جماعة من بنى إسرائيل ، خاصة وأن اليمن كان بها الكثير منهم ، وكانوا إذا درسوا فللمساكين كل شىء انتثر ، وفعل أبوهم ذلك والتزم الشريعة ، فلما مات شحّوا ، فقلّ مالهم وكثر عيالهم ، فتحالفوا ليغدون غدوة قبل خروج الناس ثم ليصرمنّها فلا يعرف المساكين ، و «الصرم» هو القطع والحصد ، و «عدم استثنائهم» أنهم لم يقولوا إن شاء الله. وقيل : كان حرثهم نخلا أو عنبا. وقيل : عدم استثنائهم أنهم لم يجنّبوا حق المساكين ، فلما جاءوا ليلا لتنفيذ ما عزموا عليه ، وجدوها مسودة قد طاف عليها طائف من ربّهم وهم نائمون. والطائف قد يكون جبريل ، وقد يكون الجزاء من ربّهم. وكان من شدة حرصهم أن كانوا يسيرون متخفّين ، وإذا تكلموا تسارّوا حتى لا يسمعهم المساكين ، وكانوا كأنما قد نجحوا فى مسعاهم ، والحرد الذى غدوا عليه قيل قصدهم الذى كاد أن يتحقق ، وقيل هو اسم قريتهم ، فما رأوا ما آلت إليه الجنة حتى أنكروها وشكّوا فيها ، وكأنما قد ضلوا الطريق إليها ، وتبينوا من بعد أنها جنّتهم ، وأنهم حرموها ، وفى الحديث : «إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقا كان هيئ له» ، ثم تلا : «فطاف عليها طائف من ربّك». وقال أوسطهم معاتبا : ألم أقل لكم قولوا إن شاء الله؟! والأوسط هو الأمثل فى القرآن ، وهو الأعدل والأعقل. ولقد ظلموا أنفسهم لمّا ظلموا المساكين ، وتلاوموا أنهم كفروا نعم الله فلم يشكروه ، ثم تعاهدوا أن ينصلح حالهم ويتوبوا إليه ، فإن أبدلهم الله خيرا منها فعلوا الصلاح والخير ، ثم دعوا وتضرّعوا واستغفروا. وظاهر الآية أن الله قبل توبتهم واستغفارهم ، ورزقهم وهو خير الرازقين ، وقولهم : «إنا إلى ربّنا راغبون» دليل إيمان ، وربما هو نتيجة ما يصيب المشركين إذا أصابتهم شدّة أو لحقهم ضرّ. وفى الآية مواعظ وعبر ودرس مستفاد : أن الإنسان لا يعزم إلا الخير ، وأن يستثنى فيقول إن شاء الله ، وأن العزم مما يؤاخذ به. ونظير هذه القصة قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٢٥) (الحج).
* * *