وسخروا من موسى حتى نادوه : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) (الزخرف ٤٩) ، يدعون موسى أن يستنفد كل ما علّمه ربّه من الآيات. واستفهام فرعون فى قوله : «أليس لى ملك مصر»؟ على سبيل الإثبات والتعظيم لشأنه وشأن ملكه ، وفى قوله : «أفلا تبصرون»؟ على سبيل التنبيه والتبكيت. وثمة دليل آخر فى سورة الزخرف على أن هؤلاء الناس الذين جاءهم موسى ليسوا مصريين ، هو الآية : (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) (الزخرف ٥٣) قال ذلك لأنه كان من عادة الملأ من قوم فرعون أن يضعوا الأساور من ذهب فى معاصمهم ، والأساور جمع أسورة ، وهى لغة فى سوار. وهذه العادة لم تكن عند الرجال فى مصر القديمة ، وتخلو تماثيل ملوك مصر وكبار شخصياتها ، وكذلك صورهم على المعابد من أمثال هذه الأساور التى كانت وقفا على أهل بابل والعبرانيين. وفى مصر كانت الأساور فقط للنساء. وفى وصف هؤلاء الذين كانوا يستعمرون أرض جاسان قال تعالى عن الفرعون : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (٥٤) (الزخرف) فلم يعرف عن ملوك مصر أنهم كانوا يستخفون أقوامهم ، أى يستهترون بهم ، ويستقلّون شأنهم ، ويجدونهم خفاف العقول ، وعلى عكس ذلك كانوا ينيطون بهم المهام الكبيرة ، ويوكلونهم أمر الملمات ، وجاء الاستخفاف من قبل الملوك الأجانب ، ومن طرف الغزاة المستعمرين ، مثلما كان يحدث من الفرنسيين والإنجليز فى مصر زمن الاحتلال ، وكذلك استخفاف أمريكا وإسرائيل بالعرب عموما. والاستخفاف شأن غير المؤمنين : (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) (٦٠) (الروم) ، وصفهم بأنهم كانوا فاسقين ، أى لم تكن لهم ملة ولا دين ، وشعب مصر كانت له ديانة ، وأما الهكسوس فما كانت لهم ديانة ، وهؤلاء هم من الأشوريين. ولهذا جاء فيهم : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) (٥٥) (الزخرف) ، أى لما أسخطوا الله وأغضبوا موسى : (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) (٥٦) (الزخرف) يعنى مثلا لمن يعمل عملهم ، وعظة لمن يأتى بعدهم ، وهذا ما انتهى إليه أمر الهكسوس فى مصر ، ولذا لا يوجد أى ذكر عن واقعة الغرق فى الآثار المصرية ، لأنه فى هذه الآثار كان تسجيل «التاريخ المصرى» ، وقصة فرعون موسى لم تكن من هذا التاريخ ، وجنود الفرعون لم يكونوا مصريين!
* * *
٨٢٩. الدليل على أن الفرعون كان آشوريا وليس مصريا
كانت مقالة فرعون موسى : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٢٤) (النازعات) ، أى لا ربّ لكم فوقى ، وقال : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (القصص ٣٨) ، ولقد قلنا إن فرعون مصر لم