قال الرازي : من تكلم في أحكام القرآن وجب أن لا يذكر إلا ما يستنبطه من الآية.
فأما ما سوى ذلك فإنما يليق بكتب الفقه (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) أي أصول أزواجكم (وَرَبائِبُكُمُ) جمع ربيبة ، بمعنى مربوبة. قال الأزهريّ : ربيبة الرجل بنت امرأته من غيره. انتهى. سميت بذلك لأنه يربّها غالبا ، كما يربّ ولده (اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) جمع حجر (بفتح أوله وكسره) أي في تربيتكم. يقال فلان في حجر فلان ، إذا كان في تربيته. والسبب في هذه الاستعارة أن كل من ربي طفلا أجلسه في حجره ، فصار الحجر عبارة عن التربية. وسر تحريمهن كونهن حينئذ يشبهن البنات إلا أنه إنما يتحقق الشبه إذا كن (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) لأنهن حينئذ بنات موطوءاتكم ، كبنات الصلب. والدخول بهن كناية عن الجماع. كقولهم : بنى عليها ، وضرب عليها الحجاب. أي أدخلتموهن الستر. والباء للتعدية (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أي فلا حرج عليكم في أن تتزوجوا بناتهن إذا فارقتموهن أو متن.
تنبيهات :
(الأول) ذهب بعض السلف إلى أن قيد الدخول في قوله تعالى : (اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) ـ راجع إلى الأمهات والربائب. فقال : لا تحرم واحدة من الأم ولا البنت بمجرد العقد على الأخرى حتى يدخل بها. لقوله : (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ).
وروى ابن جرير عن علي رضي الله في رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها : أيتزوج بأمها؟ قال : هي بمنزلة الربيبة. وروي أيضا عن زيد بن ثابت وعبد الله ابن الزبير ومجاهد وابن جبير وابن عباس. وذهب إليه من الشافعية أبو الحسن أحمد ابن محمد بن الصابونيّ ، فيما نقله الرافعيّ عن العباديّ. وقد روي عن ابن مسعود مثله ، ثم رجع عنه. وتوقف فيه معاوية. وذلك فيما رواه ابن المنذر عن بكر بن كنانة أن أباه أنكحه امرأة بالطائف. قال : فلم أجامعها حتى توفي عمي عن أمها. وأمها ذات مال كثير. فقال أبي : هل لك في أمها؟ قال فسألت ابن عباس وأخبرته. فقال : انكح أمها. قال وسألت ابن عمر فقال : لا تنكحها. فأخبرت أبي بما قالا ، فكتب إلى معاوية. فأخبره بما قالا. فكتب معاوية : إني لا أحل ما حرم الله. ولا أحرم ما أحل الله. وأنت وذاك. والنساء سواها كثير. فلم ينه ولم يأذن لي ، فانصرف أبي عن أمها فلم ينكحنيها.