وقد ورد ما يفيد الندب إلى تخفيفه وكراهة المغالاة فيه. أخرج أبو داود والحاكم ، وصححه ، من حديث عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) : «خير الصداق أيسره».
وفي صحيح مسلم (٢) عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال له : إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبيّ صلىاللهعليهوسلم : هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئا. قال : قد نظرت إليها. قال : على كم تزوجتها؟ قال على أربع أواق. فقال له النبيّ صلىاللهعليهوسلم : على أربع أواق! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل. ما عندنا ما نعطيك. ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه. قال فبعث بعثا إلى بني عبس ، بعث ذلك الرجل فيهم.
الثانية : خص تعالى ذكر من آتى القنطار من المال بالنهي ، تنبيها بالأعلى على الأدنى. لأنه إذا كان هذا ، على كثير ما بذل لامرأته من الأموال ، منهيّا عن استعادة شيء يسير حقير منها ، على هذا الوجه ، كان من لم يبذل إلا الحقير منهيّا عن استعادته بطريق الأولى. ومعنى قوله (وَآتَيْتُمْ) والله أعلم : وكنتم آتيتم. إذ إرادة الاستبدال ، في ظاهر الأحمر ، واقعة بعد إيتاء المال واستقرار الزوجية ـ كذا في الانتصاف.
الثالثة : اتفقوا على أن المهر يستقر بالوطء. واختلفوا في استقراره بالخلوة المجردة. ومنشأ ذلك : أن (أفضى) في قوله تعالى : (وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ). يجوز حملها على الجماع كناية ، جريا على قانون التنزيل من استعمال الكناية فيما يستحيي من ذكره. والخلوة لا يستحيي من ذكرها فلا تحتاج إلى كناية : ويجوز إبقاؤها على ظاهرها.
قال ابن الأعرابيّ : الإفضاء في الحقيقة الانتهاء. ومنه : (وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ). أي انتهى وآوى. هذا ، والكناية أبلغ وأقرب في هذا المقام. ومما يرجحها أنه تعالى ذكر ذلك في معرض التعجب فقال : وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض. والتعجب إنما يتم إذا كان هذا الإفضاء سببا قويا في حصول الألفة والمحبة ، وهو الجماع ، لا مجرد الخلوة. فوجب حمل الإفضاء إليه ـ ذكره الرازيّ من
__________________
(١) أخرجه أبو داود في : النكاح ، ٣١ ـ باب فيمن تزوج ولم يسمّ صداقا حتى مات ، حديث ٢١١٧.
(٢) أخرجه في : النكاح ، ١٢ ـ باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها ، حديث ٧٥.