الذي أنزل على نبيه. سواء كتب بشكل ونقط ، أو بغير شكل ونقط. والمداد الذي
كتب به القرآن ليس بقديم بل هو مخلوق. والقرآن الذي كتب في المصحف بالمداد هو كلام
الله منزل ، غير مخلوق. والمصاحف يجب احترامها باتفاق المسلمين. لأن كلام الله
مكتوب فيها. واحترام النقط والشكل ، إذا كتب المصحف مشكلا منقوطا ، كاحترام الحروف
باتفاق علماء المسلمين. كما أن حرمة إعراب القرآن كحرمة حروفه المنقوطة باتفاق
المسلمين. ولهذا قال أبو بكر وعمر : حفظ إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه.
والله تكلم بالقرآن بحروفه ومعانيه. فجميعه كلام الله. فلا يقال : بعضه كلام الله
وبعضه ليس بكلام الله. وهو سبحانه نادى موسى. بصوت سمعه موسى. فإنه قد أخبر أنه
نادى موسى في غير موضع من القرآن. كما قال تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ
مُوسى إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) [النازعات : ١٥ ـ ١٦] .. والنداء لا يكون إلا صوتا باتفاق أهل اللغة. وقد
قال تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا
إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى
وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ ، وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً
وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ
عَلَيْكَ ، وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٣ ـ ١٦٤]. فقد فرّق الله بين إيحائه إلى النبيين وبين تكليمه
لموسى. فمن قال : إن موسى لم يسمع صوتا ، بل ألهم معناه ـ لم يفرق بين موسى وغيره.
وقد قال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ
فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ. مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ
بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) [البقرة : ٢٥٣] ، وقال تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ
رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) [الشورى : ٥١]. فقد فرّق بين الإيحاء والتكلم من وراء حجاب. كما كلم الله
موسى. فمن سوّى بين هذا وهذا ، كان ضالًّا. وقد قال الإمام أحمد رحمهالله وغيره : لم يزل الله متكلما إذا شاء. وهو يتكلم بمشيئته
وقدرته. يتكلم بشيء بعد شيء. كما قال تعالى : (فَلَمَّا أَتاها
نُودِيَ يا مُوسى) [طه : ١١] فناداه حين أتاها ولم يناده قبل ذلك. وقال تعالى : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ ، فَلَمَّا
ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ
وَرَقِ الْجَنَّةِ ، وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا
الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الأعراف : ٢٢]. فهو سبحانه ناداهما حين ذاقا الشجرة. ولم ينادهما قبل ذلك.
وكذلك قال تعالى : (وَلَقَدْ
خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [الأعراف : ١١]. بعد أن خلق آدم وصوّره. ولم يأمرهم قبل ذلك. وكذا قوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ
كَمَثَلِ آدَمَ ، خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ