وقال الإمام ابن القيّم في خطبة (زاد المعاد) : فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته صلىاللهعليهوسلم ، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته. فلاتباعه الهدى والأمن والفلاح والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد وطيب العيش في الدنيا والآخرة. ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة. وقد أقسم صلىاللهعليهوسلم (١) بأن لا يؤمن أحد حتى يكون هو أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين. وأقسم سبحانه بأنه لا يؤمن من لم يحكّمه في كل ما تنازع فيه هو وغيره ، ثم يرضى بحكمه ، ولا يجد في نفسه حرجا مما حكم به ، ثم يسلم له تسليما ، وينقاد له انقيادا. وقال تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب : ٣٦]. فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله. فليس لمؤمن أن يختار شيئا بعد أمره صلىاللهعليهوسلم. بل إذا أمر فأمره حتم. وإنما الخيرة في قول غيره ، إذا خفي أمره ، وكان ذلك الغير من أهل العلم به وبسنته. فبهذه الشروط يكون قول غيره سائغ الاتّباع ، لا واجب الاتّباع. فلا يجب على أحد اتباع قول أحد سواه. بل غايته أنه يسوغ له اتباعه. ولو ترك الأخذ بقول غيره ، لم يكن عاصيا لله ورسوله. فأين هذا ممن يجب على جميع المكلفين اتباعه ، ويحرم عليهم مخالفته ، ويجب عليهم ترك كل قول لقوله. فلا حكم لأحد معه. ولا قول لأحد معه. كما لا تشريع لأحد معه. وكل حيّ سواه ، فإنما يجب اتباعه على قوله ، إذا أمر بما أمر به ونهى عما نهى عنه. فكان مبلغا محضا ومخبرا ، لا منشئا ومؤسسا. فمن أنشأ أقوالا وأسس قواعد ، بحسب فهمه وتأويله ، لم يجب على الأمة اتباعها ولا التحاكم إليها ، حتى تعرض على ما جاء به. فإن طابقته ووافقته وشهد لها بالصحة ، قبلت حينئذ. وإن خالفته وجب ردها واطراحها. وإن لم يتبين فيها أحد
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الإيمان ، ٨ ـ باب حب الرسول صلىاللهعليهوسلم من الإيمان ، حديث ١٤ ونصه : عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «والذي نفسي بيده! لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده».
وفي : الأيمان والنذور ، ٣ ـ باب كيف كانت يمين النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، حديث ١٧٣٦ ونصه : عن عبد الله بن هشام قال : كنا مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، هو آخذ بيد عمر بن الخطاب. فقال له عمر : يا رسول الله! لأنت أحبّ إليّ من كل شيء إلا من نفسي.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لا. والذي نفسي بيده! حتى أكون أحب إليك من نفسك».
فقال له عمر : فإنه الآن ، والله! لأنت أحب إليّ من نفسي.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم «الآن ، يا عمر!».