قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير القاسمي [ ج ٢ ]

443/502
*

عن قول القائل بعد فوات الأمر : لو أني فعلت كذا وكذا. وقال : إنها تفتح عمل الشيطان. وأرشده إلى ما هو أنفع له من هذه الكلمة ، وهو أن يقول : قدر الله ، وما شاء فعل. وذلك لأن قوله : لو كنت فعلت كذا وكذا لم يفتني ما فاتني أو لم أقع فيما وقعت فيه ، كلام لا يجدي عليه فائدة البتة. فإنه غير مستقبل لما استدبر من أمره ، وغير مستقيل عثرته بـ (لو). وفي ضمن (لو) ادعاء أن الأمر لو كان كما قدره في نفسه ، لكان غير ما قضاه الله وقدره وشاءه ، فإنّ ما وقع مما يتمنى خلافه ، إنما وقع بقضاء الله وقدره ومشيئته. فإذا قال : لو أني فعلت كذا لكان خلاف ما وقع ، فهو محال ، إذ خلاف المقدّر المقضيّ محال. فقد تضمن كلامه كذبا وجهلا ومحالا. وإن سلم من التكذيب بالقدر لم يسلم من معارضته بقوله : لو أني فعلت لدفعت ما قدر عليّ. فإن قيل : ليس في هذا رد للقدر ولا جحد له ، إذ تلك الأسباب التي تمناها أيضا من القدر ، فهو يقول : لو وفقت لهذا القدر لاندفع به عني ذلك القدر ، فإن القدر يدفع بعضه ببعض ، كما يدفع قدر المرض بالدواء ، وقدر الذنوب بالتوبة ، وقدر العدو بالجهاد ، فكلاهما من القدر. قيل : هذا حق ، ولكن هذا ينفع قبل وقوع القدر المكروه. وأما إذا وقع فلا سبيل إلى دفعه ، وإن كان له سبيل إلى دفعه أو تخفيفه بقدر آخر فهو أولى به من قوله : لو كنت فعلته ، بل وظيفته في هذه الحالة أن يستقبل فعله الذي يدفع به أو يخفف ، ولا يتمنى ما لا مطمع في وقوعه ، فإنه عجز محض ، والله يلوم على العجز ، ويحب الكيس ويأمر به. والكيس هو مباشرة الأسباب التي ربط الله بها مسبباتها النافعة للعبد في معاشه ومعاده ، فهذه تفتح عمل الخير والأمر ، وأما العجز فإنه يفتح عمل الشيطان. فإنه إذا عجز عما ينفعه وصار إلى الأمانيّ الباطلة بقوله : لو كان كذا وكذا ، ولو فعلت كذا ، يفتح عمل الشيطان ، فإن بابه العجز والكسل. ولهذا استعاذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهما. وهو مفتاح كل شر ، ويصدر عنهما الهم والحزن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال. فمصدرها كلها عن العجز والكسل ، وعنوانها (لو) ، فلذلك قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فإن (لو) تفتح عمل الشيطان ، فالمتمني من أعجز الناس وأفلسهم ، فإن المنى رأس أموال المفاليس ، والعجز مفتاح كل شر ، وأصل المعاصي كلها العجز ، فإن العبد يعجز عن أسباب أعمال الطاعات ، وعن الأسباب التي تعرضه عن المعاصي ، ويحول بينها وبينه ، فيقع في المعاصي.

__________________

ـ بالله. ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل : قدّر الله وما شاء فعل. فإن (لو) تفتح عمل الشيطان».