يقصدونها ويقتدون بها (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) وهو ما فيه صلاح دينيّ ودنيويّ (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) أي بكل معروف ، من واجب ومندوب يقربهم إلى الجنة ويبعدهم عن النار (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي عن كل منكر ، من حرام ومكروه يقربهم إلى النار ويبعدهم من الجنة (وَأُولئِكَ) الداعون الآمرون الناهون (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بأجور أعمالهم وأعمال من تبعهم.
قال بعضهم : الفلاح هو الظفر وإدراك البغية. فالدنيويّ هو إدراك السعادة التي تطيب بها الحياة ، والأخرويّ أربعة أشياء : بقاء بلا فناء ، وعز بلا ذل ، وغنى بلا فقر ، وعلم بلا جهل.
لطيفة :
قيل : عطف : (وَيَأْمُرُونَ) على ما قبله ، من عطف الخاص على العام ـ كذا قاله الزمخشريّ. وناقشه في الانتصاف. وعبارته : عطف الخاص على العام يؤذن بمزيد اعتناء بالخاص لا محالة إذا اقتصر على بعض متناولات العام ، كقوله : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨]. وكقوله : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [الرحمن : ٦٨]. وكقوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [البقرة : ٢٣٨]. وشبه ذلك. لأن الاقتصار على تخصيص ما يفرد بالذكر يفيده تمييزا عن غيره من بقية المتناولات. وأما هذه الآية فقد ذكر ، بعد العام فيها ، جميع ما يتناوله ، إذ الخير المدعوّ إليه إما فعل مأمور ، أو ترك منهيّ ، لا يعدو واحدا من هذين حتى يكون تخصيصها يميزها عن بقية المتناولات ، فالأولى في ذلك أن يقال : فائدة هذا التخصيص ذكر الدعاء إلى الخير عامّا ثم مفصلا. وفي تنبيه أن الذكر على وجهين مالا يخفى من العناية ـ والله أعلم ـ إلا أن يثبت عرف بخصّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ببعض أنواع الخير ، فإذ ذاك يتم مراد الزمخشريّ ، وما أرى هذا العرف ثابتا ـ والله أعلم ـ انتهى.
تنبيه :
وفي الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة ، وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة ، وأصل عظيم من أصولها ، وركن مشيد من أركانها ، وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها ـ كذا في فتح البيان.
قال الغزاليّ رضي الله عنه : في هذه الآية بيان الإيجاب. فإن قوله تعالى (وَلْتَكُنْ) أمر. وظاهر الأمر الإيجاب ، وفيها بيان أن الفلاح منوط به ، إذ حصر وقال (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). وفيها بيان أنه فرض كفاية لا فرض عين ، وأنه إذا قام به أمة