الْقِيامَةِ وِزْراً خالِدِينَ فِيهِ) [طه : ١٠٠ ـ ١٠١] ، ـ أفاده الرازيّ ـ (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي لا يمهلون ، أو لا ينتظرون ليعتذروا ، أولا ينظر نظر رحمة إليهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٨٩)
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي الكفر بعد الإيمان (وَأَصْلَحُوا) أي وضمّوا إلى التوبة الأعمال الصالحة. وفيه أن التوبة وحدها لا تكفي حتى يضاف إليها العمل الصالح (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فيقبل توبتهم ويتفضل عليهم. وهذا من لطفه وبره ورأفته وعائدته على خلقه أن من تاب إليه تاب عليه. وقد روى ابن جرير (١) عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ، ولحق بالشرك ثم ندم ، فأرسل إلى قومه : أرسلوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم هل لي من توبة؟ فنزلت : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ). إلى قوله : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). فأرسل إليه قومه فأسلم. وهكذا رواه النسائيّ والحاكم وابن حبان. وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروى عبد الرزاق عن مجاهد قال (٢) : جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل الله فيه : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ). إلى قوله (غَفُورٌ رَحِيمٌ). قال فحملها إليه رجل من قومه ، فقرأها عليه ، فقال الحارث : إنك والله ، ما علمت ، لصدوق ، وإن رسول الله لأصدق منك ، وإن الله لأصدق الثلاثة. قال : فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه.
قال ابن سلامة : فصارت فيه توبة ، وفي كل نادم إلى يوم القيامة.
تنبيه :
قال بعض مفسري الزيدية. ثمرة الآية جواز لعن الكفار ، وسواء كان الكافر معيّنا أو غير معيّن ، على ظاهر الأدلة. وقد قال النوويّ : ظاهر الأحاديث أنه ليس بحرام. وأشار الغزاليّ إلى تحريمه إلا في حق من أعلمنا الله أنه مات على الكفر. كأبي لهب وأبي جهل وفرعون وهامان وأشباههم. قال : لأنه يدري بما يختم له. وأما الذين لعنهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأعيانهم يجوز أنه صلىاللهعليهوسلم علم موتهم على الكفر. وأما ما
__________________
(١) أخرجه ابن جرير : في الأثر : ٧٣٦٠. والنسائي في : تحريم الدم ، ١٥ ـ باب توبة المرتد.
(٢) ابن جرير ، في الأثر : ٧٣٦٣.