الميثاق لئن بعث الله محمدا ، وهو حيّ ، ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه. قال ابن كثير : وهذا لا يضادّ ما قاله طاوس والحسن وقتادة : أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا ، بل يستلزمه ويقتضيه ، ولهذا روى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه مثل قول عليّ وابن عباس ـ انتهى ـ
ومن أثر عليّ عليهالسلام هذا ، فهم بعض العلماء اختصاص هذا الميثاق بنبينا صلىاللهعليهوسلم كما نقل القاضي عياض في (الشفاء) عن أبي الحسن القابسيّ قال : استخص الله تعالى محمدا بفضل لم يؤته غيره أبانه به. وهو ما ذكره في هذه الآية ـ انتهى ـ وقد علمت المراد.
بقي أن الإمام أبا مسلم الأصفهانيّ ذهب إلى أن في قوله تعالى : (مِيثاقَ النَّبِيِّينَ). حذف مضاف ، أي أممهم ، وعبارته : ظاهر الآية يدل على أن الذين أخذ الله الميثاق منهم يجب عليهم الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم عند مبعثه ، وكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يكونون عند مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم من زمرة الأموات ، والميت لا يكون مكلفا ، فلما كان الذين أخذ عليهم الميثاق يجب عليهم الإيمان بمحمد عليهالسلام عند مبعثه ، ولا يمكن إيجاب الإيمان على الأنبياء عند مبعث محمد عليهالسلام ، علمنا أن الذين أخذ الميثاق عليهم ليسوا هم النبيين ، بل هم أمم النبيين. قال : ومما يؤكد هذا أنه تعالى حكم على الذين أخذ عليهم الميثاق ، أنهم لو تولوا لكانوا فاسقين ، وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء عليهمالسلام ، وإنما يليق بالأمم. أجاب القفال رحمهالله فقال : لم لا يجوز أن يكون المراد من الآية أن الأنبياء لو كانوا في الحياة لوجب عليهم الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام ، ونظيره قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] ، وقد علم الله تعالى أنه لا يشرك قط ، ولكن خرج هذا الكلام على سبيل التقدير والفرض ، فكذا هنا. وقال : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الحاقة : ٤٤ ـ ٤٦] ، وقال في صفة الملائكة : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٢٩] ، مع أنه تعالى أخبر عنهم بأنهم : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧] ، وبأنهم : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [النحل : ٥٠]. فكل ذلك خرج على سبيل الفرض والتقدير ، فكذا هاهنا.