وقد بعث لمحو الشرك (بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي بعد استقراركم على الإسلام.
تنبيهات :
الأول ـ إذا كان ما ذكر في الآية لا يصلح لنبيّ ولا لمرسل ، فلأن لا يصلح لأحد من الناس غيرهم ، بطريق الأولى والأخرى. ولهذا قال الحسن البصريّ : لا ينبغي هذا لمؤمن ، أن يأمر الناس بعبادته ، قال : وذلك أن القوم كان يعبد بعضهم بعضا ـ يعني أهل الكتاب ـ كانوا يعبدون أحبارهم ورهبانهم ، كما قال الله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ...) [التوبة : ٣١] الآية ـ وفي جامع الترمذيّ (١) ـ كما سيأتي ـ أن عديّ بن حاتم قال : يا رسول الله ما عبدوهم. قال : بلى ، إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم. فالجهلة من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم والتوبيخ. بخلاف الرسل وأتباعهم من العلماء العاملين ، فإنهم إنما يأمرون بما يأمر الله به وبلغتهم إياه الرسل الكرام ، وإنما ينهونهم عما نهاهم الله عنه وبلغته إياه رسله الكرام ـ قاله ابن كثير ـ
الثاني ـ في هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل ، وأن من أعظم العمل بالعلم تعليمه والإخلاص لله سبحانه. والدراسة مذاكرة العلم والفقه. فدلت الآية على أن العلم والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانيّا ، فمن اشتغل بها ، لا لهذا المقصود ، فقد ضاع سعيه وخاب عمله ، وكان مثله مثل من غرس شجرة حسناء مونقة بمنظرها ، ولا منفعة بثمرها ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم (٢) : «نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع» ـ كذا في فتح البيان والرازيّ.
الثالث ـ قرئ في السبع (وَلا يَأْمُرَكُمْ) بالرفع على الاستئناف أي ولا يأمركم الله أو النبيّ ، وبالنصب عطفا على ثم يقول. و (لا) مزيدة لتأكيد معنى النفي.
__________________
(١) أخرجه الترمذيّ في : التفسير ، ٩ ـ سورة التوبة ، ١٠ ـ حدثنا الحسين بن مرثد.
(٢) أخرجه مسلم في : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، حديث ٧٣. ونصه : عن زيد بن أرقم قال : لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول. كان يقول «اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل ، والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها».