وأقوالهم ونياتهم (وَالْقانِتِينَ) المطيعين لله الخاضعين له (وَالْمُنْفِقِينَ) أموالهم في سبيل الله تعالى من الأرحام والقرابات ، وسد الخلات ، ومواساة ذوي الحاجات (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ). جمع سحر (بفتحتين وفتح وسكون) وهو الوقت الذي قبيل طلوع الفجر آخر الليل. وتسحّر إذا أكل في ذلك الوقت. قال الحرالىّ : وفي إفهامه تهجدهم في الليل كما قال تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات : ١٧ ـ ١٨].
وقال الرازيّ : واعلم أن المراد منه من يصلي بالليل ثم يتبعه بالاستغفار والدعاء ، لأن الإنسان لا يشتغل بالدعاء والاستغفار إلا أن يكون قد صلّى قبل ذلك. فقوله : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) يدل على أنهم كانوا قد صلوا بالليل ـ انتهى ـ وقد روى ابن أبي حاتم أن عبد الله بن عمر كان يصلي من الليل ، ثم يقول : يا نافع! هل جاء السحر؟ فإذا قال : نعم ، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح. وروى ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : كنا نؤمر إذا صلينا من الليل أن نستغفر في آخر السحر سبعين مرة. وروى ابن جرير عن حاطب قال : سمعت رجلا في السحر في ناحية المسجد وهو يقول : يا رب أمرتني فأطعتك ، وهذا السحر. فاغفر لي. فنظرت فإذا هو ابن مسعود. وثبت في الصحيحين (١) وغيرهما من المسانيد والسنن من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ينزل ربنا ، تبارك وتعالى ، كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر. يقول : من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ وفي رواية لمسلم : ثم يبسط يديه تبارك وتعالى ويقول : من يقرض غير عدوم ولا ظلوم؟ وفي رواية : حتى ينفجر الفجر.
قال الحافظ ابن كثير : وقد أفرد الحافظ أبو الحسن الدارقطنيّ في ذلك جزءا على حدة فرواه من طرق متعددة. ويروى أن بعض الصالحين قال لابنه : يا بنيّ! لا يكن الديك أحسن منك ، ينادي بالأسحار وأنت نائم ، والحكمة في تخصيص الأسحار كونه وقت غفلة الناس عن التعرض للنفحات الرحمانية ، والألطاف السبحانية ، وعند ذلك تكون العبادة أشق ، والنية خالصة ، والرغبة وافرة ، مع قربه ، تعالى وتقدس ، من عباده. قال السيوطيّ : في الآية فضيلة الاستغفار في السحر ، وأن
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : التهجد ، ١٤ ـ باب الدعاء والصلاة من آخر الليل حديث ٦٢٩ ، عن أبي هريرة. ومسلم في : صلاة المسافرين وقصرها ، حديث ١٦٨ ـ ١٧٢.