فإنها القصد والمآل. فإنا نعلم أنك يا إلهنا جامع الناس للجزاء في يوم
القيامة ، ونعلم أن وعدك لا يكون خلفا ، فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبدا ،
ومن منحته الرحمة والهداية بقي هناك في السعادة والكرامة أبدا. فالغرض الأعظم من
ذلك الدعاء ، ما يتعلق بالآخرة ـ أفاده الرازيّ ـ ثم قال : احتجّ الجبائي بهذه
الآية على القطع بوعيد الفساق ، قال : وذلك لأن الوعيد داخل تحت لفظ الوعد بدليل
قوله تعالى : (أَنْ قَدْ وَجَدْنا
ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) [الأعراف : ٤٤]. والوعد والموعد والميعاد واحد. وقد أخبر في هذه الآية أنه
لا يخلف الميعاد. فكان هذا دليلا على أنه لا يخلف في الوعيد. والجواب : لا نسلّم
أنه تعالى يوعد الفساق مطلقا ، بل ذلك الوعيد عندنا مشروط بشرط عدم العفو ، كما
أنه بالاتفاق مشروط بشرط عدم التوبة ، فكما أنكم أثبتم ذلك الشرط بدليل منفصل ،
فكذا نحن أثبتنا شرط عدم العفو بدليل منفصل ، سلمنا أنه يوعدهم ، ولكن لا نسلم أن
الوعيد داخل تحت لفظ الوعد. أما قوله تعالى : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما
وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) ، قلنا : لم لا يجوز أن يكون ذلك ، كما في قوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١]. وقوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان : ٤٩]. وأيضا لم لا يجوز أن يكون المراد منه أنهم كانوا يتوقعون من
أوثانهم أنها تشفع لهم عند الله ، فكان المراد من الوعد تلك المنافع.
وذكر الواحديّ
في (البسيط) طريقة أخرى فقال : لم لا يجوز أن يحمل هذا على ميعاد الأولياء ، دون
وعيد الأعداء ، لأن خلف الوعيد كرم عند العرب. قال : والدليل عليه أنهم يمدحون بذلك
، قال الشاعر :
إذا وعد
السرّاء أنجز وعده
|
|
وإن أوعد
الضراء فالعفو مانعه
|
وروى المناظرة
التي دارت بين أبي عمرو بن العلاء ، وبين عمرو بن عبيد. قال أبو عمرو بن العلاء
لعمرو بن عبيد : ما تقول في أصحاب الكبائر؟ قال : أقول إن الله وعد وعدا وأوعد
إيعادا ، فهو منجز إيعاده كما هو منجز وعده ، فقال أبو عمرو بن العلاء : إنك رجل
أعجم ، لا أقول أعجم اللسان ، ولكن أعجم القلب. إن العرب تعدّ الرجوع عن الوعد
لؤما ، وعن الإيعاد كرما ، وأنشد :
وإني وإن
أوعدته أو وعدته
|
|
لمكذب إيعادي
ومنجز موعدي
|
واعلم أن
المعتزلة حكوا أن أبا عمرو بن العلاء لما قال هذا الكلام ، قال له عمرو بن عبيد :
يا أبا عمرو؟ فهل يسمى الله مكذب نفسه؟ فقال : لا ، فقال عمرو