قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير القاسمي [ ج ٢ ]

287/502
*

فإنها القصد والمآل. فإنا نعلم أنك يا إلهنا جامع الناس للجزاء في يوم القيامة ، ونعلم أن وعدك لا يكون خلفا ، فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبدا ، ومن منحته الرحمة والهداية بقي هناك في السعادة والكرامة أبدا. فالغرض الأعظم من ذلك الدعاء ، ما يتعلق بالآخرة ـ أفاده الرازيّ ـ ثم قال : احتجّ الجبائي بهذه الآية على القطع بوعيد الفساق ، قال : وذلك لأن الوعيد داخل تحت لفظ الوعد بدليل قوله تعالى : (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) [الأعراف : ٤٤]. والوعد والموعد والميعاد واحد. وقد أخبر في هذه الآية أنه لا يخلف الميعاد. فكان هذا دليلا على أنه لا يخلف في الوعيد. والجواب : لا نسلّم أنه تعالى يوعد الفساق مطلقا ، بل ذلك الوعيد عندنا مشروط بشرط عدم العفو ، كما أنه بالاتفاق مشروط بشرط عدم التوبة ، فكما أنكم أثبتم ذلك الشرط بدليل منفصل ، فكذا نحن أثبتنا شرط عدم العفو بدليل منفصل ، سلمنا أنه يوعدهم ، ولكن لا نسلم أن الوعيد داخل تحت لفظ الوعد. أما قوله تعالى : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) ، قلنا : لم لا يجوز أن يكون ذلك ، كما في قوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١]. وقوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان : ٤٩]. وأيضا لم لا يجوز أن يكون المراد منه أنهم كانوا يتوقعون من أوثانهم أنها تشفع لهم عند الله ، فكان المراد من الوعد تلك المنافع.

وذكر الواحديّ في (البسيط) طريقة أخرى فقال : لم لا يجوز أن يحمل هذا على ميعاد الأولياء ، دون وعيد الأعداء ، لأن خلف الوعيد كرم عند العرب. قال : والدليل عليه أنهم يمدحون بذلك ، قال الشاعر :

إذا وعد السرّاء أنجز وعده

وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه

وروى المناظرة التي دارت بين أبي عمرو بن العلاء ، وبين عمرو بن عبيد. قال أبو عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد : ما تقول في أصحاب الكبائر؟ قال : أقول إن الله وعد وعدا وأوعد إيعادا ، فهو منجز إيعاده كما هو منجز وعده ، فقال أبو عمرو بن العلاء : إنك رجل أعجم ، لا أقول أعجم اللسان ، ولكن أعجم القلب. إن العرب تعدّ الرجوع عن الوعد لؤما ، وعن الإيعاد كرما ، وأنشد :

وإني وإن أوعدته أو وعدته

لمكذب إيعادي ومنجز موعدي

واعلم أن المعتزلة حكوا أن أبا عمرو بن العلاء لما قال هذا الكلام ، قال له عمرو بن عبيد : يا أبا عمرو؟ فهل يسمى الله مكذب نفسه؟ فقال : لا ، فقال عمرو