وعن أم سلمة قالت : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا تلبس المتوفى عنها زوجها ، المعصفرة من الثياب ولا الممشقة ولا الحليّ ولا تختضب ولا تكتحل ولا تطيب» أخرجه أبو داود (١) (والممشقة : المصبوغة بالمشق وهي المغرة).
وقد استنبط بعضهم وجوب الإحداد من قوله تعالى (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ) ، أي : من زينة وتطيب ـ كما قدمنا ـ فيفيد تحريم ذلك في العدة وهو الإحداد.
وأما الامتناع عن الخروج من المنزل الذي توفّي فيه زوجها : فروى فيه أحمد وأهل السنن (٢) حديث فريعة بنت مالك قالت : خرج زوجي في طلب أعلاج له فأدركهم في طريق القدوم فقتلوه ، فأتى نعيه وأنا في دار شاسعة عن دار أهلي ، فأتيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم فذكرت ذلك له فقلت : إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة عن أهلي ولم يدع نفقة ولا مالا ورثته وليس المسكن له ، فلو تحولت إلى أهلي وإخوتي لكان أرفق بي في بعض شأني؟ قال : تحولي ، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني ـ أو أمر بي فدعيت ـ فقال : امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. وفي بعض ألفاظه : أنه أرسل إليها عثمان بعد ذلك فأخبرته ، فأخذ به. وقد أعلّ هذا الحديث بما لا يقدح في الاحتجاج به.
الثالثة : أكثر الفقهاء على أنّ هذه الآية ناسخة لما بعدها من الاعتداد بالحول وإن كانت متقدمة في التلاوة ، فإن ترتيب المصحف ليس على ترتيب النزول بل هو توقيفيّ. وذهب مجاهد وغيره إلى أنهما محكمتان. كما سيأتي بيانه.
الرابعة : أبدى المهايميّ الحكمة في تحديد عدة المتوفى عنها بهذا القدر ، فقال : لئلا يتعارض في قلبها حب المتوفّى وحب الجديد ، فأخذت مدّة صبرها ـ وهو أربعة أشهر ـ وزيد عليه العشر ، إذ بذلك ينقطع صبرها فتميل إلى الجديد ميلا كليا ، فينقطع عن قلبها حب المتوفى. على أنّه يظهر في حق المدخول بها حركة الحمل إذ تكون بعد أربعة أشهر ، لكنها تبتدئ ضعيفة وتتقوى بمضيّ عشر آخر. ثم
__________________
(١) أخرجه أبو داود في : الطلاق ، ٤٦ ـ باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها حديث ٢٣٠٤.
(٢) أخرجه أحمد في الصفحة ٣٧٠ من الجزء السادس.
والنسائي في : الطلاق ، ٦٢ ـ باب عدة المتوفى عنها زوجها من يوم يأتيها الخبر.
وابن ماجة في : الطلاق ، ٨ ـ باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها ، حديث ٢٠٣١.