حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن عمر أنه قال : لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلّا رجمتهما. وروى البيهقي : أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها. ففرق بينهما. وكذا روي عن عليّ وابن عباس وغير واحد من الصحابة رضي الله عنهم.
وبالجملة : فالتحليل غير جائز في الشرع. ولو كان جائزا لم يلعن فاعله والراضي به. وإذا كان لعن الفاعل لا يدلّ على تحريم فعله لم تبق صيغة تدلّ على التحريم قط ؛ وإذا كان هذا الفعل حراما غير جائز في الشريعة فليس هو النكاح الذي ذكره الله تعالى في قوله : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ). كما أنه لو قال : (لعن الله بائع الخمر) لم يلزم من لفظ بائع أنه قد جاز بيعه وصار من البيع الذي أذن فيه بقوله : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) والأمر ظاهر.
فصل
قال الإمام ابن القيّم في (أعلام الموقعين) :
إلزام الحالف بالطلاق والعتاق ، إذا حنث ، بطلاق زوجته وعتق عبده ـ مما حدث الإفتاء به بعد انقراض عصر الصحابة ـ فلا يحفظ عن صحابيّ في صيغة القسم إلزام الطلاق به أبدا. وإنما المحفوظ إلزام الطلاق بصيغة الشرط والجزاء ـ الذي قصد به الطلاق عند وجود الشرط ـ كما في (صحيح البخاريّ) (١) عن نافع قال : طلق رجل امرأته البتة إن خرجت. فقال ابن عمر : إن خرجت فقد بانت منه ، وإن لم تخرج فليس بشيء. فهذا لا ينازع فيه إلّا من يمنع وقوع الطلاق المعلق بالشرط مطلقا. وأما من يفصل بين القسم المحض والتعليق الذي يقصد به الوقوع ، فإنه يقول بالآثار المروية عن الصحابة كلّها في هذا الباب. فإنه صحّ عنهم الإفتاء بالوقوع في صور. وصح عنهم عدم الوقوع في صور. والصواب : ما أفتوا به في النوعين. ولا يؤخذ ببعض فتاويهم ويترك بعضها. فأما الوقوع : فالمحفوظ عنهم ما ذكره البخاريّ عن ابن عمر ، وما رواه الثوريّ عن ابن مسعود في رجل قال لامرأته : إن فعلت كذا وكذا فهي طالق ، ففعلته. قال : هي واحدة وهو أحق بها. على أنه منقطع. وكذلك ما ذكره البيهقيّ وغيره عن ابن عباس في رجل قال لامرأته : هي طالق إلى سنة ، قال : يتمتع بها إلى سنة. ومن هذا قول أبي ذرّ لامرأته ـ وقد ألحت عليه في سؤاله عن ليلة القدر
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الطلاق ، ١١ ـ باب الطلاق في الإغلاق والكره.