يقال لهم وقت عذابهم بالنار وفتنتهم بها : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) [الذاريات : ١٤].
قال ابن عباس : تكذيبكم. وحقيقته : ذوقوا نهاية فتنتكم وغايتها ومصير أمرها ، كقوله : (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [الزمر : ٢٤]. وكما فتنوا عباده على الشرك ، فتنوا على النار وقيل لهم : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) [الذاريات : ١٤]. ومنه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا ...) [البروج : ١٠] ، فسّرت الفتنة ـ هنا ـ بتعذيبهم المؤمنين وإحراقهم إياهم بالنار ، واللفظ أعمّ من ذلك. وحقيقته : عذّبوا المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم. فهذه الفتنة المضافة إلى المشركين. وأمّا الفتنة التي يضيفها الله سبحانه إلى نفسه ويضيفها رسوله إليه كقوله : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) [الأنعام : ٥٣] ، وقول موسى : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) [الأعراف : ١٥٥] فتلك بمعنى آخر ، وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشرّ ، بالنعم والمصائب. فهذه لون ، وفتنة المشركين لون. وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لون آخر. والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام كالفتنة التي أوقعها بين أصحاب عليّ ومعاوية ، وبين أهل الجمل وصفّين ، وبين المسلمين حتى يتقاتلوا ويتهاجروا ـ لون آخر. وهي الفتنة التي قال فيها محمد صلىاللهعليهوسلم (١) : ستكون فتنة ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ... وأحاديث الفتنة ـ التي أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيها باعتزال الطائفتين ـ هي هذه الفتنة (٢). وقد
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الفتن ، ٩ ـ باب تكون فتنة القاعدة فيها خير من القائم. ونصه : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ستكون فتن ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي. من تشرّف لها تستشرفه ، فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذ به».
(٢) أخرجه البخاريّ في : الفتن ، ١١ ـ كيف الأمر إذا لم تكن جماعة ونصه : عن حذيفة بن اليمان قال : كان الناس يسألون رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الخير؟ وكنت أسأله عن الشر؟ مخافة أن يدركني. فقلت : يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال «نعم» قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال «نعم. وفيه دخن» قلت : وما دخنه؟ قال «قوم يهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر» قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال «نعم. دعاة على أبواب جهنم. من أجابهم إليها قذفوه فيها» قلت : يا رسول الله! صفهم لنا. قال «هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا» قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال «فاعتزل تلك الفرق كلها. ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك».