وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧))
. (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ) ، واجتمعوا ، (قالُوا) لفرعون (إِنَّ لَنا لَأَجْراً) ، أي : جعلا ومالا (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) ، قرأ أهل الحجاز وحفص : (إِنَّ لَنا) على الخبر ، وقرأ الباقون بالاستفهام ، ولم يختلفوا في الشعراء أنه مستفهم.
(قالَ) فرعون : (نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) ، في المنزلة الرفيعة عندي مع الأجر ، قال [الكلبي](١) : يعني أوّل من يدخل وآخر من يخرج.
(قالُوا) يعني السحرة ، (يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) عصاك ، (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) ، لعصينا وحبالنا.
(قالَ) [لهم](٢) موسى بل (أَلْقُوا) أنتم ، (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) ، أي : صرفوا أعينهم عن إدراك حقيقة ما فعلوه من التمويه والتخييل ، وهذا هو السّحر ، (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) ، أي : أرهبوهم وأفزعوهم ، (وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) ، وذلك أنهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا. وفي القصة أن الأرض كانت ميلا في ميل صارت حيات وأفاعي في أعين الناس.
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) ، فألقاها فصارت حية عظيمة حتى سدّت الأفق. قال ابن زيد : كان اجتماعهم بالإسكندرية. ويقال : بلغ ذنب الحية من وراء البحر ثم فتحت فاها ثمانين ذراعا ، (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ) ، قرأ حفص (تَلْقَفُ) ساكنة اللام خفيفة حيث وقع (٣) ، وقرأ الآخرون بفتح اللام وتشديد القاف ، أي : تبتلع ، (ما يَأْفِكُونَ) ، يكذبون من التخاييل ، وقيل : يزورون على الناس. فكانت تلتقم حبالهم وعصيّهم واحدا واحدا حتى ابتلعت الكلّ وقصدت القوم الذين حضروا فوقع الزحام عليهم فهلك منهم في الزحام خمسة وعشرون ألفا ، ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت.
(فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (١٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥))
(فَوَقَعَ الْحَقُ) ، قال الحسن ومجاهد : ظهر الحق ، (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، من السحر ، وذلك أن السحرة قالوا : لو كان ما يصنع موسى سحرا لبقيت حبالنا وعصينا ، فلما فقدت علموا أن ذلك من أمر الله.
(فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩)) ، ذليلين مقهورين.
(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠)) لله. قال مقاتل : ألقاهم الله. وقيل : ألهمهم الله أن يسجدوا فسجدوا. قال الأخفش : من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «كان».