إدراك وإحاطة كما يعرف في الدنيا ولا يحاط به ، قال الله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه : ١١٠] ، فنفي الإحاطة مع ثبوت العلم ، قال سعيد بن المسيّب : لا تحيط به الأبصار ، وقال عطاء : كلّت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به ، وقال ابن عباس ومقاتل : لا تدركه الأبصار في الدنيا ، وهو يرى في الآخرة ، قوله : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) ، أي : لا يخفى على الله شيء ولا يفوته ، (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : اللطيف بأوليائه الخبير بهم ، وقال الأزهري (١) : معنى (اللَّطِيفُ) الرفيق بعباده ، وقيل : اللطيف الموصل الشيء باللين والرفق ، وقيل : اللطيف الذي ينسي العباد ذنوبهم لئلا يخجلوا ، وأصل اللطف دقّة النظر في الأشياء.
قوله عزوجل : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) ، يعني : الحجج البيّنة التي تبصرون بها الهدى من الضلالة والحق من الباطل ، (فَمَنْ أَبْصَرَ) ، أي : فمن عرفها وآمن بها (فَلِنَفْسِهِ) ، عمله ونفعه له ، (وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) ، أي : من عمي عنها فلم يعرفها ولم يصدقها فعليها ، أي : فبنفسه ضر ، ووبال العمى عليه ، (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) ، برقيب أحصي عليكم أعمالكم ، إنما أنا رسول أبلغكم رسالات ربي وهو الحفيظ عليكم الذي لا يخفى عليه شيء من أفعالكم.
(وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) ، نفصّلها ونبيّنها في كل وجه ، (وَلِيَقُولُوا) ، قيل : معناه لئلا يقولوا ، (دَرَسْتَ) ، وقيل : [هذه](٢) اللام لام العاقبة أي عاقبة أمرهم أن يقولوا : (دَرَسْتَ) ، أي : قرأت على غيرك ، وقيل : قرأت كتب أهل الكتاب ؛ كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] ، ومعلوم أنهم لم يلتقطوه لذلك ، ولكن أراد أن عاقبة أمرهم أن كان عدوا لهم ، قال ابن عباس : وليقولوا يعني : أهل مكة حين تقرأ عليهم القرآن درست ، أي : تعلمت من يسار وخبر كانا عبدين من سبي الروم ، ثم قرأت علينا تزعم أنه من عند الله ، من قولهم : درست الكتاب ادرس درسا ودراسة ، وقال الفراء رحمهالله : يقولون : تعلّمت من اليهود ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : (دارست) ، بالألف [أي : قرأت أهل الكتاب من المدارسة بين اثنين يقول قرأن عليهم وقرءوا عليهم ، وقرأ ابن عامر ويعقوب : درست](٣) بفتح السين وسكون التاء ، أي : هذه الأخبار التي تتلوها علينا قديمة ، قد درست وامّحت ، من قولهم : درس الأثر يدرس دروسا. (وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ، أي : القرآن ، وقيل : نصرّف الآيات لقوم يعلمون ، قال ابن عباس : يريد أولياءه الذين هداهم إلى سبيل الرشاد ، وقيل : يعني أن تصريف الآيات ليشقى به (٤) قوم ويسعد به آخرون ، فمن قال درست فهو شقي ، ومن تبيّن له الحق فهو سعيد
(اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧) وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨))
(اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ، يعني : القرآن اعمل به ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) ، لا تجادلهم.
__________________
(١) في المطبوع «الزهري».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) سقط من المطبوع وحده.
(٤) في المطبوع «ليشفى به».