رسول وكتاب كان قبل القرآن ، والملائكة واليوم الآخر لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ، وقال الضحاك : أراد به (١) اليهود والنصارى ، وقيل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بموسى وعيسى (آمَنُوا) بمحمد والقرآن ، وقال مجاهد : أراد به (١) المنافقين ، يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) باللّسان (آمَنُوا) بالقلب. وقال أبو العالية وجماعة : هذا خطاب للمؤمنين ، يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) أي أقيموا واثبتوا على الإيمان ، كما يقال للقائم : قم حتى أرجع إليك ، أي اثبت قائما [و](٣) قيل : المراد به أهل الشرك ، يعني (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) باللّات والعزى (آمَنُوا) بالله ورسوله.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (١٣٧) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) ، قال قتادة : هم اليهود آمنوا بموسى ثم كفروا من بعد بعبادتهم العجل ، ثم آمنوا بالتوراة ثم كفروا بعيسى عليهالسلام ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلىاللهعليهوسلم. وقيل : هو في جميع أهل الكتاب آمنوا بنبيهم ثم كفروا به ، وآمنوا بالكتاب الذي نزّل عليه ثم كفروا به ، وكفرهم به تركهم إيّاه ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلىاللهعليهوسلم وقيل : هذا في قوم مرتدين آمنوا ثم ارتدوا ثمّ آمنوا ثم ارتدوا [ثم آمنوا ثمّ ارتدوا](٤) ، ومثل هذا هل تقبل توبته؟ حكي عن علي رضي الله عنه أنه لا تقبل توبته بل يقتل (٥) ، لقوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ، وأكثر أهل العلم على قبول توبته ، وقال مجاهد : ثم ازدادوا كفرا أي ماتوا عليه ، (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ، ما أقاموا على ذلك ، (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) ، أي طريقا إلى الحق ، فإن قيل : ما معنى قوله (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ، ومعلوم أنه لا يغفر الشرك إن كان أول مرّة؟ قيل : معناه أن الكافر إذا أسلم أول مرّة ودام عليه يغفر له كفره السابق ، فإن أسلم ثم كفر ثم أسلم ثم كفر لا يغفر له كفره السابق الذي كان يغفر له لو دام على الإسلام.
(بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ) ، أخبرهم يا محمد ، (بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ، والبشارة : كل خبر يتغير به بشرة الوجه سارّا كان أو غير سار ، وقال الزجاج : معناه اجعل في موضع بشارتك لهم العذاب ، كما تقول العرب : تحيّتك الضرب وعتابك السيف ، أي : بدلا لك من التحية ، ثم وصف المنافقين فقال :
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (١٤١))
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) ، يعني : يتخذون اليهود أولياء وأنصارا أو بطانة (مِنْ دُونِ
__________________
(١) في المطبوع «بهم».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٤) تصحف في المخطوط «يقبل».