المسلمين عونهم ، وإن وقعت الكفاية بالنازلين بهم فلا فرض على الأبعدين إلّا على طريق الاختيار ، ولا يدخل في هذا القسم العبيد والفقراء ، ومن هذا القبيل أن يكون الكفار قارين (١) في بلادهم ، فعلى الإمام أن لا يخلي (٢) سنة عن غزوة يغزوها بنفسه أو بسراياه حتى لا يكون الجهاد معطّلا ، والاختيار للمطيق الجهاد (٣) مع وقوع الكفاية بغيره : [أن لا يقعد عن الجهاد](٤). ولكن لا يفترض لأنّ الله تعالى وعد المجاهدين والقاعدين الثواب في هذه الآية فقال : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) ، فلو كان فرضا على الكافة لاستحقّ القاعد العقاب لا الثواب.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآية ، نزلت في ناس من أهل مكة تكلّموا بالإسلام ولم يهاجروا ، منهم : قيس بن الفاكه بن المغيرة وقيس بن الوليد بن المغيرة وأشباههما ، فلما خرج المشركون إلى بدر خرجوا معهم فقتلوا مع الكفار فقال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) ، أراد به ملك الموت وأعوانه أو أراد ملك الموت وحده ، كما قال تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة : ١١] ، والعرب قد تخاطب الواحد بلفظ الجمع (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) ، بالشرك ، وهو نصب على الحال أي : في حال ظلمهم ، قيل : أي المقام في دار الشرك لأن الله تعالى لم [يكن](٥) يقبل الإسلام بعد هجرة النبي صلىاللهعليهوسلم إلّا بالهجرة.
ع [٦٩٣] ثم نسخ بعد فتح مكة فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا هجرة بعد الفتح».
وهؤلاء قتلوا يوم بدر وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم ، [وقالوا لهم : فيم كنتم؟ فذلك قوله تعالى :](٦)(قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) أي : في ما ذا كنتم أو في أي الفريقين كنتم؟ أفي المسلمين؟ أم في المشركين؟ سؤال توبيخ وتعبير فاعتذروا بالضعف عن مقاومة أهل الشرك ، (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ) ، عاجزين ، (فِي الْأَرْضِ) ، يعني أرض مكة ، (قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها)؟ يعني إلى المدينة وتخرجوا من مكة من بين أهل الشرك؟ فأكذبهم الله تعالى وأعلمنا بكذبهم ، فقال : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ) ، منزلهم (جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) ، أي : بئس المصير إلى جهنم ، ثم استثنى أهل العذر منهم ، فقال :
(إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) لا يقدرون على حيلة ولا على نفقة ولا على قوة الخروج منها ، (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) ، أي : لا يعرفون طريقا إلى الخروج. وقال مجاهد : لا يعرفون
__________________
ع [٦٩٣] ـ صحيح. أخرجه البخاري ١٨٣٤ و ٢٨٢٥ و ٢٧٨٣ و ٣٠٧٧ ومسلم ١٣٥٣ وأبو داود ٢٤٨٠ والترمذي ١٥٩٠ والنسائي ٧ / ١٤٦ وعبد الرزاق ٩٧١٣ وأحمد ١ / ٢٢٦ و ٣١٥ و ٣٥٥ والدارمي ٢ / ٢٣٩ وابن حبان ٤٥٩٢ و ٤٨٦٥ وابن الجارود ١٠٣٠ والطبراني ١٠٩٤٤ والبيهقي ٥ / ١٩٥ و ٩ / ١٦ والبغوي ١٩٩٦ و ٢٦٣١ والقضاعي ٨٤٤ من طرق ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس مرفوعا.
__________________
(١) تصحف في المطبوع «قادرين».
(٢) زيد في المطبوع «كل».
(٣) في المطبوع «الاجتهاد».
(٤) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيد في المطبوع و ـ ط.