قوله (فَمِنْ نَفْسِكَ)؟ قيل : قوله (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي : الخصب والجدب (١) والنصر والهزيمة كلّها من عند الله ، وقوله : (فَمِنْ نَفْسِكَ) أي : وما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك ، كما قال الله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] يدل عليها ما روى مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قرأ «وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك». وقال بعضهم : هذه الآية متصلة بما قبلها ، والقول فيه مضمر تقديره : فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ، يقولون : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) ، (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ). (وَأَرْسَلْناكَ) ، يا محمد ، (لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) ، على إرسالك وصدقك ، وقيل : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) ، على إرسالك وصدقك ، وقيل : كفى بالله شهيدا. على أن الحسنة والسيئة كلها من الله تعالى.
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٨١))
قوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) :
ع [٦٦٨] وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقول : «من أطاعني فقد أطاع الله ومن أحبني فقد أحبّ الله» فقال بعض المنافقين : ما يريد هذا الرجل إلا أن نتخذه ربّا كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم ربّا ، فأنزل الله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ).
أي : من يطع الرسول فيما أمر به فقد أطاع الله ، (وَمَنْ تَوَلَّى) ، عن طاعته ، (فَما أَرْسَلْناكَ) ، يا محمد ، (عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) ، أي : حافظا ورقيبا بل (٢) كل أمورهم [إليه تعالى](٣) ، وقيل : نسخ الله عزوجل هذا بآية السيف ، وأمره بقتال من خالف الله ورسوله.
(وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) ، يعني : المنافقين يقولون باللسان للرسول صلىاللهعليهوسلم : إنّا آمنا بك فمرنا فأمرك طاعة ، قال النحويون : أي أمرنا وشأننا أن نطيعك ، (فَإِذا بَرَزُوا) ، خرجوا ، (مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) ، قال قتادة والكلبي : بيّت أي : غيّر وبدّل الذي عهد إليهم النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويكون التبييت بمعنى التبديل ، وقال أبو عبيدة والقتيبي : معناه قالوا وقدروا ليلا غير ما أعطوك نهارا وكل ما قدر بليل فهو تبييت (٤) ، وقال أبو الحسن الأخفش : تقول العرب للشيء إذا قدّر : بيت ، يشبهونه بتقدير بيوت الشعر ، (وَاللهُ يَكْتُبُ) أي : يثبت ويحفظ ، (ما يُبَيِّتُونَ) ، ما يزوّرون ويغيّرون ويقدرون ، وقال الضحاك عن ابن عباس : يعني ما يسرّون من النفاق ، (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ، يا محمد ولا تعاقبهم ، وقيل : لا تخبر بأسمائهم ، منع الرسول صلىاللهعليهوسلم من الإخبار بأسماء المنافقين ، (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) ، أي : اتخذه (٥) وكيلا فكفى بالله وكيلا وناصرا.
__________________
ع [٦٦٨] ـ لم أجد له أصلا ، قال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١ / ٥٣٩) : لم أجده.
__________________
(١) تصحف في المطبوع «والجدب».
(٢) في المطبوع وحده «على».
(٣) زيادة عن ـ ط ـ والمخطوط ، لكن عبارة المخطوط «إلى الله».
(٤) في المطبوع «مبيت».
(٥) في المطبوع «اتخذوه».