(وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) ، عصيانهن ، وأصل النشوز : التكبر والارتفاع ، ومنه النشز : [وهو الموضع](١) المرتفع ، (فَعِظُوهُنَ) ، بالتخويف من الله والوعظ بالقول ، (وَاهْجُرُوهُنَ) ، يعني : إن لم ينزعن عن ذلك بالقول فاهجروهنّ (فِي الْمَضاجِعِ) ، قال ابن عباس : يوليها ظهره في الفراش ولا يكلمها ، وقال غيره : يعتزل عنها إلى فراش آخر ، (وَاضْرِبُوهُنَ) يعني : إن لم ينزعن من الهجران فاضربوهن ضربا غير مبرّح ولا شائن ، وقال عطاء : ضربا بالسواك.
ع [٥٨٩] وقد جاء في الحديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «حقّ المرأة أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلّا في البيت».
(فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) ، أي : لا تجنوا (٢) عليهنّ الذنوب ، وقال ابن عيينة : لا تكلفوهنّ محبتكم فإنّ القلب ليس بأيديهن. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) ، متعاليا من أن يكلّف العباد ما لا يطيقونه ، وظاهر الآية يدل على أنّ الزوج يجمع عليها بين الوعظ والهجران والضرب ، فذهب بعضهم إلى ظاهرها وقال : إذا ظهر [منها](٣) النشوز جمع بين هذه الأفعال ، وحمل الخوف في قوله (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) ، على العلم كقوله تعالى : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً) [البقرة : ١٨٢] أي : علم ، ومنهم من حمل الخوف على الخشية لا على حقيقة العلم ، كقوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) [الأنفال : ٥٨] ، وقال : هذه الأفعال على ترتيب الجرائم ، فإن خاف نشوزها بأن ظهرت أمارته منها من المخاشنة وسوء الخلق وعظها ، فإن أبدت النشوز هجرها ، فإن أصرت على ذلك ضربها.
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥))
قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) ، يعني : خلافا بين الزوجين ، والخوف بمعنى اليقين ، وقيل : هو بمعنى الظنّ يعني : إن ظننتم شقاق بينهما ، وجملته أنه إذا ظهر بين الزوجين شقاق واشتبه حالهما فلم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية وخرجا إلى ما لا يحلّ قولا وفعلا بعث الإمام حكما من أهله إليه وحكما من أهلها إليها رجلين حرين عدلين ليستطلع كلّ واحد من الحكمين رأي من بعث إليه إن كانت رغبته في الصلح أو في الفرقة ثم يجتمع الحكمان فينفذان ما يجتمع عليه رأيهما من الصلاح ، فذلك قوله عزوجل : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا
__________________
ع [٥٨٩] ـ جيد. أخرجه أبو داود ٢١٤٢ وابن ماجه ١٨٥٠ وأحمد ٤ / ٤٤٧ وابن حبان ٤١٧٥ والحاكم ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨ والطبراني في «الكبير» (١٩ / ١٠٣٤) و (١٠٣٧) و (١٠٣٩) والبيهقي ٧ / ٢٩٥ و ٣٠٥ والبغوي ٢٣٢٣ من طرق عن أبي قزعة ، عن حكيم بن معاوية بن حيدة ، عن أبيه أن رجلا سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم .... فذكره. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وهو حديث حسن ورجاله ثقات غير حكيم بن معاوية ، وهو صدوق ؛ وفي بعض الروايات أنه هو السائل.
ـ وأخرجه أبو داود ٢١٤٣ و ٢١٤٤ وأحمد ٥ / ٥ والطبراني ١٩ / ٩٩٩ و ١٠٠٠٠ ـ ١٠٠٢ من طريق بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده.
ـ وأخرجه أحمد ٣ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧ من طريق أبي قزعة ، عن عمرو بن دينار ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه به.
ـ وأخرجه أحمد ٥ / ٣ من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن أبي قزعة وعطاء ، عن رجل من بني قشير ، عن أبيه.
__________________
(١) في المطبوع و ـ ط «للموضع».
(٢) في المخطوط وحده «تبحثوا».
(٣) زيادة عن المخطوط.