هكذا (لَنَسْفَعاً) بهذا اللفظ الشديد المصور بجرسه لمعناه. والسفع : الأخذ بعنف. والناصية : الجبهة. أعلى مكان يرفعه الطاغية المتكبر. مقدم الرأس المتشامخ : إنها ناصية تستحق السفع والصرع : (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ)! وإنها للحظة سفع وصرع. فقد يخطر له أن يدعو من يعتز بهم من أهله وصحبه : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) أما نحن فإننا (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) الشداد الغلاظ .. والمعركة إذن معروفة المصير!
وفي ضوء هذا المصير المتخيل الرعيب .. تختم السورة بتوجيه المؤمن الطائع إلى الإصرار والثبات على إيمانه وطاعته ..
(كَلَّا. لا تُطِعْهُ ، وَاسْجُدْ ، وَاقْتَرِبْ).
كلا! لا تطع هذا الطاغي الذي ينهى عن الصلاة والدعوة. واسجد لربك واقترب منه بالطاعة والعبادة. ودع هذا الطاغي. الناهي. دعه للزبانية!
ولقد وردت بعض الروايات الصحيحة بأن السورة ـ عدا المقطع الأول منها ـ قد نزلت في أبي جهل إذ مر برسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو يصلي عند المقام. فقال (يا محمد. ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده. فأغلظ له رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وانتهره ..) ولعلها هي التي أخذ فيها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بخناقه وقال له : «أولى لك ثم أولى» فقال : يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا ، فأنزل الله : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ...) وقال ابن عباس لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته. ولكن دلالة السورة عامة في كل مؤمن طائع عابد داع إلى الله. وكل طاغ باغ ينهى عن الصلاة ، ويتوعد على الطاعة ، ويختال بالقوة .. والتوجيه الرباني الأخير : (كَلَّا! لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) ..
* * *
وهكذا تتناسق مقاطع السورة كلها وتتكامل إيقاعاتها ...
* * *