فيه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هذه الرؤيا. وحدث بها أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ فاستبشروا بها وفرحوا.
ورواية ابن هشام لوقائع الحديبية هي أو فى مصدر نستند إليه في تصورها. وهي في جملتها تتفق مع رواية البخاري ورواية الإمام أحمد ومع تلخيص ابن حزم في جوامع السيرة وغيرهم.
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بالمدينة شهر رمضان وشوالا (بعد غزوة بني المصطلق وما جاء في أعقابها من حديث الإفك) وخرج في ذي القعدة معتمرا لا يريد حربا. واستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه ؛ وهو يخشى من قريش الذي صنعوا أن يعرضوا له بحرب ، أو يصدوه عن البيت. فأبطأ عليه كثير من الأعراب. وخرج رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بمن معه من المهاجرين والأنصار ، ومن لحق به من العرب ؛ وساق معه الهدي ، وأحرم بالعمرة ، ليأمن الناس من حربه ، وليعلم الناس أنه إنما خرج زائرا لهذا البيت ومعظما له.
قال : وكان جابر بن عبد الله ـ فيما بلغني ـ يقول : كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة.
قال الزهري : وخرج رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حتى إذا كان بعسفان (١) لقيه بشر بن سفيان الكعبي. فقال : يا رسول الله! هذه قريش قد سمعت بمسيرك ، فخرجوا معهم العوذ المطافيل (٢) ، قد لبسوا جلود النمور ؛ وقد نزلوا بذي طوى ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا. وهذا خالد بن الوليد في خيلهم ، قد قدموها إلى كراع الغميم (٣). قال : فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «يا ويح قريش! لقد أكلتهم الحرب. ما ذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب؟ فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة. فما تظن قريش؟ فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله ، أو تنفرد هذه السالفة (٤). ثم قال : «من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟» ..
قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر ، أن رجلا من أسلم قال : أنا يا رسول الله. قال : فسلك بهم طريقا وعرا أجرل (٥) بين شعاب. فلما خرجوا منه ـ وقد شق ذلك على المسلمين ـ وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي ، قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ للناس : «قولوا نستغفر الله ونتوب إليه». فقالوا ذلك. فقال : «والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل ، فلم يقولوها» (٦)
قال ابن شهاب الزهري : فأمر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الناس فقال : «اسلكوا ذات اليمين» بين ظهري الحمض (٧) في طريق على ثنية المرار ، مهبط الحديبية (٨) من أسفل مكة ؛ قال : فسلك الجيش ذلك
__________________
(١) عسفان : موضع بين مكة والمدينة على مرحلتين من مكة.
(٢) العوذ التي لم تلد ، والمطافيل ذوات الأطفال. وهذا يقتضي أن يكون النص العوذ والمطافيل.
(٣) كراع الغميم دار أمام عسفان بثمانية أميال.
(٤) السالفة صفحة العنق ، يعني : أو أقتل. فإنها لا تنفرد إلا بالقتل.
(٥) أجرل : كثير الحجارة.
(٦) يشير ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى ما جاء في القرآن الكريم : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا : حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ. فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ..)
(٧) الحمض : ما ملح من النبات وهو هنا اسم موضع.
(٨) قرية بينها وبين مكة مرحلة واحدة.