أنك وهم تجافت جنوبكم عن المضاجع ؛ وتركت دفء الفراش في الليلة القارسة ، ولم تسمع نداء المضاجع المغري وسمعت نداء الله .. إن ربك يعطف عليك ويريد أن يخفف عنك وعن أصحابك .. (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) .. فيطيل من هذا ويقصر من ذاك. فيطول الليل ويقصر. وأنت ومن معك ماضون تقومون أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه. وهو يعلم ضعفكم عن الموالاة. وهو لا يريد أن يعنتكم ولا أن يشق عليكم. إنما يريد لكم الزاد وقد تزودتم فخففوا على أنفسكم ، وخذوا الأمر هينا : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) .. في قيام الليل بلا مشقة ولا عنت .. وهناك ـ في علم الله ـ أمور تنتظركم تستنفد الجهد والطاقة ، ويشق معها القيام الطويل : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) يصعب عليهم هذا القيام (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) .. في طلب الرزق والكد فيه ، وهو ضرورة من ضرورات الحياة. والله لا يريد أن تدعوا أمور حياتكم وتنقطعوا لعبادة الشعائر انقطاع الرهبان! (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) .. فقد علم الله أن سيأذن لكم في الانتصار من ظلمكم بالقتال ، ولإقامة راية للإسلام في الأرض يخشاها البغاة! فخففوا إذن على أنفسكم (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) بلا عسر ولا مشقة ولا إجهاد .. واستقيموا على فرائض الدين : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) .. وتصدقوا بعد ذلك قرضا لله يبقى لكم خيره .. (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً ، وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) .. واتجهوا إلى الله مستغفرين عن تقصيركم. فالإنسان يقصر ويخطئ مهما جد وتحرى الصواب : (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ..
إنها لمسة الرحمة والود والتيسير والطمأنينة تجيء بعد عام من الدعوة إلى القيام! ولقد خفف الله عن المسلمين ، فجعل قيام الليل لهم تطوعا لا فريضة. أما رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقد مضى على نهجه مع ربه ، لا يقل قيامه عن ثلث الليل ، يناجي ربه ، في خلوة من الليل وهدأة ، ويستمد من هذه الحضرة زاد الحياة وزاد الجهاد. على أن قلبه ما كان ينام وإن نامت عيناه. فقد كان قلبه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ دائما مشغولا بذكر الله ، متبتلا لمولاه. وقد فرغ قلبه من كل شيء إلا من ربه. على ثقل ما يحمل على عاتقه ، وعلى مشقة ما يعاني من الأعباء الثقال ..
* * *