أو إلى نار ، ولا إلى نعيم أو عذاب على الإطلاق. وهؤلاء يصلح لهم تربية ويصلح لهم جزاء أن يقول الله لهم : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) .. أو أن يعلموا أنهم سيكونون : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) ..
ولقد روي عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه كان يصلي حتى تنفر رجلاه. فقالت له عائشة ـ رضي الله عنها ـ يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «يا عائشة ا فلا أكون عبدا شكورا؟» (١) ..
وتقول رابعة العدوية : «ا ولو لم تكن جنة ولا نار لم يعبد الله أحد ، ولم يخشه أحد؟».
وتجيب سفيان الثوري وقد سألها : ما حقيقة إيمانك؟ تقول : ما عبدته خوفا من ناره ، ولا حبا لجنته ، فأكون كالأجير السوء. عبدته شوقا إليه» ..
وبين هذا اللون وذلك ألوان من النفوس والمشاعر والطباع .. وكلها تجد ـ فيما جعله الله من نعيم وعذاب ، ومن ألوان الجزاء ـ ما يصلح للتربية في الأرض ؛ وما يناسب للجزاء عند الله.
والملاحظ عموما أن صور النعيم والعذاب ترق وتشف كلما ترقى السامعون في مراقي التربية والتهذيب على مدى نزول القرآن. وحسب أنواع المخاطبين ، والحالات المتنوعة التي كانت تخاطب بالآيات. وهي حالات ونماذج تتكرر في البشرية في جميع الأعصار.
وهنا نوعان من الجزاء : هذه الأنهار مع كل الثمرات مع المغفرة من الله. والنوع الآخر :
(كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) ..
وهي صورة حسية عنيفة من العذاب ، تناسب جو سورة القتال ، وتتناسب مع غلظ طبيعة القوم. وهم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام. فالجو جو متاع غليظ وأكل غليظ. والجزاء ماء حميم ساخن وتقطيع للأمعاء ، التي كانت تحش وتلتهم الأكل كالأنعام!
ولن يكون هؤلاء كهؤلاء في الجزاء ، كما أنهم في الحال والمنهج ليسوا سواء ..
* * *
بهذا يختم الجولة الأولى التي بدأت بالهجوم عند افتتاح السورة ، واستمرت في معركة متصلة ، عنيفة ، حتى الختام ..
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ