قوام الأمر في الإسلام بين الغفلة والقلق. والإسلام غير هذا وتلك. والقلب الموصول بالله يحذر ويرجو ، ويخاف ويطمع ، وهو مطمئن لرحمة الله على كل حال.
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) ..
وهذه تعني طهارة النفس والجماعة ، فالإسلام يريد مجتمعا طاهرا نظيفا ، وفي الوقت ذاته ناصعا صريحا. مجتمعا تؤدى فيه كل الوظائف الحيوية ، وتلبى فيه كل دوافع الفطرة. ولكن بغير فوضى ترفع الحياء الجميل ، وبغير التواء يقتل الصراحة النظيفة. مجتمعا يقوم على أساس الأسرة الشرعية المتينة القوائم. وعلى البيت العلني الواضح المعالم. مجتمعا يعرف فيه كل طفل أباه ، ولا يخجل من مولده. لا لأن الحياء منزوع من الوجوه والنفوس. ولكن لأن العلاقات الجنسية قائمة على أساس نظيف صريح ، طويل الأمد ، واضح الأهداف ، يرمي إلى النهوض بواجب إنساني واجتماعي ، لا لمجرد إرضاء النزوة الحيوانية والشهوة الجنسية!
ومن ثم يذكر القرآن هنا من صفات المؤمنين (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) ..
فيقرر نظافة الاتصال بالأزواج وبما ملكت الأيمان ـ من الإماء حين يوجدن بسبب مشروع ـ والسبب المشروع الوحيد الذي يعترف به الإسلام هو السبي في قتال في سبيل الله. وهي الحرب الوحيدة التي يقرها الإسلام ـ والأصل في حكم هذا السبي هو ما ذكرته آية سورة محمد : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) ولكن قد يتخلف بعض السبي بلا منّ ولا فداء لملابسات واقعية ؛ فهذا يظل رقيقا إذا كان المعسكر الآخر يسترق أسرى المسلمين في أية صورة من صور الرق ـ ولو سماه بغير اسمه! ـ ويجوّز الإسلام وطء الإماء عندئذ من صاحبهن وحده ، ويجعل عتقهن موكولا إلى الوسائل الكثيرة التي شرعها الإسلام لتجفيف هذا المورد. ويقف الإسلام بمبادئه صريحا نظيفا لا يدع هؤلاء الأسيرات لفوضى الاختلاط الجنسي القذر كما يقع لأسيرات الحروب قديما وحديثا! ولا يتدسس ويلتوي فيسميهن حرات وهن إماء في الحقيقة!
(فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) .. وبذلك يغلق الباب في وجه كل قذارة جنسية ، في أية صورة غير هاتين الصورتين الواضحتين الصريحتين .. فلا يرى في الوظيفة الطبيعية قذارة في ذاتها ؛ ولكن القذارة في الالتواء بها. والإسلام نظيف صريح قويم. (١).
(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ).
وهذه من القوائم الأخلاقية التي يقيم الإسلام عليها نظام المجتمع. ورعاية الأمانات والعهود في الإسلام تبدأ من رعاية الأمانة الكبرى التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان. وهي أمانة العقيدة والاستقامة عليها اختيارا لا اضطرارا .. ومن رعاية العهد الأول المقطوع على فطرة الناس وهم بعد في الأصلاب أن الله ربهم الواحد ، وهم بخلقتهم على هذا العهد شهود .. ومن رعاية تلك الأمانة وهذا العهد تنبثق رعاية سائر الأمانات والعهود في معاملات الأرض وقد شدد الإسلام في الأمانة والعهد وكرر وأكد ، ليقيم المجتمع على أسس متينة من الخلق والثقة والطمأنينة. وجعل رعاية الأمانة والعهد سمة النفس
__________________
(١) تراجع سورة المؤمنون جزء ١٨ ص ٢٤٥٥ ـ ٢٤٥٦ وسورة محمد جزء ٢٦ ص ٣٢٨٢ ـ ٣٢٨٥.