فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ. يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ. وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ. فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ ، سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ. أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ؟ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ)؟!
والتهديد بعذاب الآخرة وحرب الدنيا يجيء ـ كما نرى ـ في خلال ذلك الجدل ، وهذا التحدي. فيرفع من حرارة الجدل ، ويزيد من ضغط التحدي.
والسؤال الاستنكاري الأول : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ؟) يعود إلى عاقبة هؤلاء وهؤلاء التي عرضها في الآيات السابقة. وهو سؤال ليس له إلا جواب واحد .. لا. لا يكون. فالمسلمون المذعنون المستسلمون لربهم ، لا يكونون أبدا كالمجرمين الذين يأتون الجريمة عن لجاج يسمهم بهذا الوصف الذميم! وما يجوز في عقل ولا في عدل أن يتساوى المسلمون والمجرمون في جزاء ولا مصير.
ومن ثم يجيء السؤال الاستنكاري الآخر : (ما لَكُمْ؟ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟) .. ماذا بكم؟ وعلام تبنون أحكامكم؟ وكيف تزنون القيم والأقدار؟ حتى يستوي في ميزانكم وحكمكم من يسلمون ومن يجرمون؟!
ومن الاستنكار والإنكار عليهم ينتقل إلى التهكم بهم والسخرية منهم : (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ؟ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ؟) .. فهو التهكم والسخرية أن يسألهم إن كان لهم كتاب يدرسونه ، هو الذي يستمدون منه مثل ذلك الحكم الذي لا يقبله عقل ولا عدل ؛ وهو الذي يقول لهم : إن المسلمين كالمجرمين! إنه كتاب مضحك يوافق هواهم ويملق رغباتهم ، فلهم فيه ما يتخيرون من الأحكام وما يشتهون! وهو لا يرتكن إلى حق ولا إلى عدل ، ولا إلى معقول أو معروف!
(أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ؟) .. فإن لا يكن ذلك فهو هذا. وهو أن تكون لهم مواثيق على الله ، سارية إلى يوم القيامة ، مقتضاها أن لهم ما يحكمون ، وما يختارون وفق ما يشتهون! وليس من هذا شيء. فلا عهود لهم عند الله ولا مواثيق. فعلام إذن يتكلمون؟! وإلام إذن يستندون؟!
(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ؟) .. سلهم من منهم المتعهد بهذا؟ من منهم المتعهد بأن لهم على الله ما يشاءون ، وأن لهم ميثاقا عليه ساري المفعول إلى يوم القيامة أن لهم ما يحكمون؟!
وهو تهكم ساخر عميق بليغ يذيب الوجوه من الحرج والتحدي السافر المكشوف!
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ؟ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) ..
وهم كانوا يشركون بالله. ولكن التعبير يضيف الشركاء إليهم لا لله. ويتجاهل أن هناك شركاء. ويتحداهم أن يدعوا شركاءهم هؤلاء إن كانوا صادقين .. ولكن متى يدعونهم؟
(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ. وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) ..
فيقفهم وجها لوجه أمام هذا المشهد كأنه حاضر اللحظة ، وكأنه يتحداهم فيه أن يأتوا بشركائهم المزعومين. وهذا اليوم حقيقة حاضرة في علم الله لا تتقيد في علمه بزمن. واستحضارها للمخاطبين على هذا النحو يجعل وقعها عميقا حيا حاضرا في النفوس على طريقة القرآن الكريم.
والكشف عن الساق كناية ـ في تعبيرات اللغة العربية المأثورة ـ عن الشدة والكرب. فهو يوم القيامة الذي