وروى الإمام أحمد ـ بإسناده ـ عن حذيفة قال : سمعت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول : «لا يدخل الجنة قتات» أي نمام (ورواه الجماعة إلا ابن ماجه).
وروى الإمام أحمد كذلك ـ بإسناده ـ عن يزيد بن السكن. أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «ألا أخبركم بخياركم؟» قالوا : بلى يا رسول الله. قال : «الذين إذا رؤوا ذكر الله عزوجل» ثم قال : «ألا أخبركم بشراركم؟ المشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب».
ولم يكن بد للإسلام أن يشدد في النهي عن هذا الخلق الذميم الوضيع ، الذي يفسد القلب ، كما يفسد الصحب ، ويتدنى بالقائل قبل أن يفسد بين الجماعة ، ويأكل قلبه وخلقه قبل أن يأكل سلامة المجتمع ، ويفقد الناس الثقة بعضهم ببعض ، ويجني على الأبرياء في معظم الأحايين!
وهو مناع للخير .. يمنع الخير عن نفسه وعن غيره. ولقد كان يمنع الإيمان وهو جماع الخير. وعرف عنه أنه كان يقول لأولاده وعشيرته ، كلما آنس منهم ميلا إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : لئن تبع دين محمد منكم أحد لا أنفعه بشيء أبدا. فكان يمنعهم بهذا التهديد عن الإسلام. ومن ثم سجل القرآن عليه هذه الصفة «مناع للخير» فيما كان يفعل ويقول.
وهو معتد .. متجاوز للحق والعدل إطلاقا. ثم هو معتد على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعلى المسلمين وعلى أهله وعشيرته الذين يصدهم عن الهدى ويمنعهم من الدين .. والاعتداء صفة ذميمة تنال من عناية القرآن والحديث اهتماما كبيرا .. وينهى عنها الإسلام في كل صورة من صورها ، حتى في الطعام والشراب : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) .. لأن العدل والاعتدال طابع الإسلام الأصيل.
وهو أثيم .. يرتكب المعاصي حتى يحق عليه الوصف الثابت. (أَثِيمٍ) .. بدون تحديد لنوع الآثام التي يرتكبها. فاتجاه التعبير إلى إثبات الصفة ، وإلصاقها بالنفس كالطبع المقيم!
وهو بعد هذا كله (عُتُلٍّ) .. وهي لفظة تعبر بجرسها وظلها عن مجموعة من الصفات ومجموعة من السمات ، لا تبلغها مجموعة ألفاظ وصفات. فقد يقال : إن العتل هو الغليظ الجافي. وإنه الأكول الشروب. وإنه الشره المنوع. وإنه الفظ في طبعه ، اللئيم في نفسه ، السيّء في معاملته .. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه : «العتل كل رغيب الجوف ، وثيق الخلق ، أكول شروب ، جموع للمال ، منوع له» .. ولكن تبقى كلمة «عتل» بذاتها أدل على كل هذا ، وأبلغ تصويرا للشخصية الكريهة من جميع الوجوه.
وهو زنيم .. وهذه خاتمة الصفات الذميمة الكريهة المتجمعة في عدو من أعداء الإسلام ـ وما يعادي الإسلام ويصر على عداوته إلا أناس من هذا الطراز الذميم ـ والزنيم من معانيه اللصيق في القوم لا نسب له فيهم ، أو أن نسبه فيهم ظنين. ومن معانيه ، الذي اشتهر وعرف بين الناس بلؤمه وخبثه وكثرة شروره. والمعنى الثاني هو الأقرب في حالة الوليد بن المغيرة. وإن كان إطلاق اللفظ يدمغه بصفة تدعه مهينا في القوم ، وهو المختال الفخور.
ثم يعقب على هذه الصفات الذاتية بموقفه من آيات الله ، مع التشنيع بهذا الموقف الذي يجزي به نعمة الله عليه بالمال والبنين :
(أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ : أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ..
وما أقبح ما يجزي إنسان نعمة الله عليه بالمال والبنين ؛ استهزاء بآياته ، وسخرية من رسوله ، واعتداء على دينه .. وهذه وحدها تعدل كل ما مر من وصف ذميم.