وسلم ـ أو يخبأ؟ إن حياته هي المشهد المنظور القريب الممكن التطبيق من هذه العقيدة ؛ وقد جاء ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليعرضها للناس في شخصه ، وفي حياته ، كما يعرضها بلسانه وتوجيهه. ولهذا خلق. ولهذا جاء. ولقد حفظ عنه أصحابه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ونقلوا للناس بعدهم ـ جزاهم الله خيرا ـ أدق تفصيلات هذه الحياة. فلم تبق صغيرة ولا كبيرة حتى في حياته اليومية العادية ، لم تسجل ولم تنقل .. وكان هذا طرفا من قدر الله في تسجيل حياة هذا الرسول ، أو تسجيل دقائق هذه العقيدة مطبقة في حياة الرسول. فكان هذا إلى جانب ما سجله القرآن الكريم من هذه الحياة السجل الباقي للبشرية إلى نهاية الحياة.
* * *
وهذه السورة تعرض في صدرها صفحة من الحياة البيتية لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وصورة من الانفعالات والاستجابات الإنسانية بين بعض نسائه وبعض ، وبينهن وبينه! وانعكاس هذه الانفعالات والاستجابات في حياته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وفي حياة الجماعة المسلمة كذلك .. ثم في التوجيهات العامة للأمة على ضوء ما وقع في بيوت رسول الله وبين أزواجه.
والوقت الذي وقعت فيه الأحداث التي تشير إليها السورة ليس محددا. ولكن بالرجوع إلى الروايات التي جاءت عنه يتأكد أنه بعد زواج رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من زينب بنت جحش قطعا.
ولعله يحسن أن نذكر هنا ملخصا عن قصة أزواج النبي ، وعن حياته البيتية يعين على تصور الحوادث والنصوص التي جاءت بصددها في هذه السورة. ونعتمد في هذا الملخص على ما أثبته الإمام ابن حزم في كتابه : «جوامع السيرة» .. وعلى السيرة لابن هشام مع بعض التعليقات السريعة :
أول أزواجه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خديجة بنت خويلد. تزوجها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو ابن خمس وعشرين سنة وقيل ثلاث وعشرون ، وسنها ـ رضي الله عنها ـ أربعون أو فوق الأربعين ، وماتت ـ رضي الله عنها ـ قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. وقد تجاوزت سنه الخمسين.
فلما ماتت خديجة تزوج عليهالسلام سودة بنت زمعة ـ رضي الله عنها ـ ولم يرو أنها ذات جمال ولا شباب. إنما كانت أرملة للسكران بن عمرو بن عبد شمس. كان زوجها من السابقين إلى الإسلام من مهاجري الحبشة. فلما توفي عنها ، تزوجها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم.
ثم تزوج عائشة ـ رضي الله عنها ـ بنت الصديق أبي بكر ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ وكانت صغيرة فلم يدخل بها إلا بعد الهجرة. ولم يتزوج بكرا غيرها. وكانت أحب نسائه إليه ، وقيل كانت سنها تسع سنوات وبقيت معه تسع سنوات وخمسة أشهر. وتوفي عنها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
ثم تزوج حفصة بنت عمر ـ رضي الله عنه وعنها ـ بعد الهجرة بسنتين وأشهر. تزوجها ثيبا. بعد ما عرضها أبوها على أبي بكر وعلى عثمان فلم يستجيبا. فوعده النبي خيرا منهما وتزوجها!
ثم تزوج زينب بنت خزيمة. وكان زوجها الأول عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب قد قتل يوم بدر. وتوفيت زينب هذه في حياته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ. وقيل كان زوجها قبل النبي هو عبد الله بن جحش الأسدي المستشهد يوم أحد. ولعل هذا هو الأقرب.
وتزوج أم سلمة. وكانت قبله زوجا لأبي سلمة ، الذي جرح في أحد ، وظل جرحه يعاوده حتى مات به. فتزوج رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أرملته. وضم إليه عيالها من أبي سلمة.