مستريحة بعلاج ، ولا قلاقل تثير الاضطراب.
وكذلك يكون قد عالج جميع الوساوس والهواجس التي تثور في القلوب ، فتمنعها من السماحة والتيسير والتجمل للأمر. فأبعد أشباح الفقر والضيق وضياع الأموال من نفس الزوج إذا هو أسكن وأنفق ووسع على مطلقته أو مرضعة ولده. ومن نفس الزوجة التي تضيق بنفقة الإعسار ، أو تطمع في زيادة ما تصيب من مال زوجها السابق. فأكد اليسر بعد العسر لمن اتقى ، والضيق بعد الفرج ، والرزق من حيث لا يحتسب ، وفوق رزق الدنيا رزق الآخرة والأجر الكبير هناك بعد التكفير.
كما عالج ما تخلفه حالة الخلاف والشقاق التي أدت إلى الطلاق. من غيظ وحنق ومشادة وغبار في الشعور والضمير .. فمسح على هذا كله بيد الرفق والتجمل ، ونسم عليه من رحمة الله والرجاء فيه ؛ ومن ينابيع المودة والمعروف التي فجرها في القلوب بلمسات التقوى والأمل في الله وانتظار رضاه.
وهذا العلاج الشامل الكامل ، وهذه اللمسات المؤثرة العميقة ، وهذا التوكيد الوثيق المتكرر .. هذه كلها هي الضمانات الوحيدة في هذه المسألة لتنفيذ الشريعة المقررة. فليس هناك ضابط إلا حساسية الضمائر وتقوى القلوب. وإن كلا الزوجين ليملك مكايدة صاحبه حتى تنفقئ مرارته إذا كانت الحواجز هي فقط حواجز القانون!! وبعض الأوامر من المرونة بحيث تسع كل هذا. فالأمر بعدم المضارة : (وَلا تُضآرُّوهُنَّ) يشمل النهي عن ألوان من العنت لا يحصرها نص قانوني مهما اتسع. والأمر فيه موكول إلى هذه المؤثرات الوجدانية ، وإلى استجاشة حاسة التقوى وخوف الله المطلع على السرائر ، المحيط بكل شيء علما. وإلى التعويض الذي يعده الله للمتقين في الدنيا والآخرة. وبخاصة في مسألة الرزق التي تكرر ذكرها في صور شتى ، لأنها عامل مهم في تيسير الموقف ، وتندية الجفاف الذي تنشئه حالة الطلاق ..
وإن الزوجين ليفارقان ـ في ظل تلك الأحكام والتوجيهات ـ وفي قلوبهما بذور للود لم تمت ، ونداوة قد تحيي هذه البذور فتنبت .. ذلك إلى الأدب الجميل الرفيع الذي يريد الإسلام أن يصبغ به حياة الجماعة المسلمة ، ويشيع فيها أرجه وشذاه.
* * *
فإذا انتهى السياق من هذا كله ساق العبرة الأخيرة في مصير الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله ، فلم يسمعوا ولم يستجيبوا. وعلق هذه العبرة على الرؤوس ، تذكرهم بالمصير البائس الذي ينتظر من لا يتقي ولا يطيع. كما تذكرهم بنعمة الله على المؤمنين المخاطبين بالسورة والتشريع :
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ ، فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً. فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها ، وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً. أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً. فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا ، قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً : رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) ..
وهو إنذار طويل وتحذير مفصل المشاهد. كما أنه تذكير عميق بنعمة الله بالإيمان والنور ، ووعده بالأجر في الآخرة وهو أحسن الرزق وأكرمه.
فأخذ الله لمن يعتو عن أمره ولا يسلم لرسله هو سنة متكررة : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً). وتفصيل أخذها وذكر الحساب العسير والعذاب النكير ،