(هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) فيستقر في الضمير شعور الطمأنينة لرحمة الله والاسترواح. ويتعادل الخوف والرجاء ، والفزع والطمأنينة. فالله في تصور المؤمن لا يطارد عباده ولكن يراقبهم. ولا يريد الشر بهم بل يحب الهدى ، ولا يتركهم بلا عون وهم يصارعون الشرور والأهواء.
(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) .. يعيدها في أول التسبيحة التالية ، لأنها القاعدة التي تقوم عليها سائر الصفات ..
(الْمَلِكُ) .. فيستقر في الضمير أن لا ملك إلا الله الذي لا إله إلا هو. وإذا توحدت الملكية لم يبق للمملوكين إلا سيد واحد يتجهون إليه ، ولا يخدمون غيره. فالرجل لا يخدم سيدين في وقت واحد (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) ..
(الْقُدُّوسُ) وهو اسم يشع القداسة المطلقة والطهارة المطلقة. ويلقي في ضمير المؤمن هذا الإشعاع الطهور ، فينظف قلبه هو ويطهره ، ليصبح صالحا لتلقي فيوض الملك القدوس ، والتسبيح له والتقديس.
(السَّلامُ) .. وهو اسم كذلك يشيع السلام والأمن والطمأنينة في جنبات الوجود ، وفي قلب المؤمن تجاه ربه. فهو آمن في جواره ، سالم في كنفه. وحيال هذا الوجود وأهله من الأحياء والأشياء. ويؤوب القلب من هذا الاسم بالسلام والراحة والاطمئنان. وقد هدأت شرته وسكن بلباله وجنح إلى الموادعة والسلام.
(الْمُؤْمِنُ) واهب الأمن وواهب الإيمان. ولفظ هذا الاسم يشعر القلب بقيمة الإيمان ، حيث يلتقي فيه بالله ، ويتصف منه بإحدى صفات الله. ويرتفع إذن إلى الملأ الأعلى بصفة الإيمان.
(الْمُهَيْمِنُ) .. وهذا بدء صفحة أخرى في تصور صفة الله ـ سبحانه ـ إذ كانت الصفات السابقة : (الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ) صفات تتعلق مجردة بذات الله. فأما هذه فتتعلق بذات الله فاعلة في الكون والناس. توحي بالسلطان والرقابة.
وكذلك : (الْعَزِيزُ. الْجَبَّارُ. الْمُتَكَبِّرُ) .. فهي صفات توحي بالقهر والغلبة والجبروت والاستعلاء. فلا عزيز إلا هو. ولا جبار إلا هو. ولا متكبر إلا هو. وما يشاركه أحد في صفاته هذه. وما يتصف بها سواه. فهو المتفرد بها بلا شريك.
ومن ثم يجيء ختام الآية : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ..
ثم يبدأ المقطع الأخير في التسبيحة المديدة.
(هُوَ اللهُ) .. فهي الألوهية الواحدة. وليس غيره بإله.
(الْخالِقُ) .. (الْبارِئُ) .. والخلق : التصميم والتقدير. والبرء : التنفيذ والإخراج ، فهما صفتان متصلتان والفارق بينهما لطيف دقيق ..
(الْمُصَوِّرُ). وهي كذلك صفة مرتبطة بالصفتين قبلها. ومعناها إعطاء الملامح المتميزة والسمات التي تمنح لكل شيء شخصيته الخاصة.
وتوالي هذه الصفات المترابطة اللطيفة الفروق ، يستجيش القلب لمتابعة عملية الخلق والإنشاء والإيجاد والإخراج مرحلة مرحلة ـ حسب التصور الإنساني ـ فأما في عالم الحقيقة فليست هناك مراحل ولا خطوات. وما نعرفه عن مدلول هذه الصفات ليس هو حقيقتها المطلقة فهذه لا يعرفها إلا الله. إنما نحن ندرك شيئا من آثارها هو الذي نعرفها به في حدود طاقتنا الصغيرة!
(لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) .. الحسنى في ذاتها. بلا حاجة إلى استحسان من الخلق ولا توقف على استحسانهم.