(وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) ..
فروابط الدم والقرابة هذه تتقطع عند حد الإيمان. إنها يمكن أن ترعى إذا لم تكن هناك محادة وخصومة بين اللوائين : لواء الله ولواء الشيطان. والصحبة بالمعروف للوالدين المشركين مأمور بها حين لا تكون هناك حرب بين حزب الله وحزب الشيطان. فأما إذا كانت المحادة والمشاقة والحرب والخصومة فقد تقطعت تلك الأواصر التي لا ترتبط بالعروة الواحدة وبالحبل الواحد. ولقد قتل أبو عبيدة أباه في يوم بدر. وهم الصديق أبو بكر بقتل ولده عبد الرحمن. وقتل مصعب بن عمير أخاه عبيد بن عمير. وقتل عمر وحمزة وعلي وعبيدة والحارث أقرباءهم وعشيرتهم. متجردين من علائق الدم والقرابة إلى آصرة الدين والعقيدة. وكان هذا أبلغ ما ارتقى إليه تصور الروابط والقيم في ميزان الله.
(أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) ..
فهو مثبت في قلوبهم بيد الله مكتوب في صدورهم بيمين الرحمن. فلا زوال له ولا اندثار ، ولا انطماس فيه ولا غموض!
(وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) ..
وما يمكن أن يعزموا هذه العزمة إلا بروح من الله. وما يمكن أن تشرق قلوبهم بهذا النور إلا بهذا الروح الذي يمدهم بالقوة والإشراق ، ويصلهم بمصدر القوة والإشراق.
(وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) ..
جزاء ما تجردوا في الأرض من كل رابطة وآصرة ؛ ونفضوا عن قلوبهم كل عرض من أعراضها الفانية.
(رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ..
وهذه صورة وضيئة راضية مطمئنة ، ترسم حالة المؤمنين هؤلاء ، في مقام عال رفيع. وفي جو راض وديع .. ربهم راض عنهم وهم راضون عن ربهم. انقطعوا عن كل شيء ووصلوا أنفسهم به ؛ فتقبلهم في كنفه ، وأفسح لهم في جنابه ، وأشعرهم برضاه. فرضوا. رضيت نفوسهم هذا القرب وأنست به واطمأنت إليه ..
(أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ) ..
فهم جماعته. المتجمعة تحت لوائه. المتحركة بقيادته. المهتدية بهديه. المحققة لمنهجه. الفاعلة في الأرض ما قدره وقضاه. فهي قدر من قدر الله.
(أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
ومن يفلح إذن إذا لم يفلح أنصار الله المختارون؟
وهكذا تنقسم البشرية إلى حزبين اثنين : حزب الله وحزب الشيطان. وإلى رايتين اثنتين : راية الحق وراية الباطل. فإما أن يكون الفرد من حزب الله فهو واقف تحت راية الحق ، وإما أن يكون من حزب الشيطان فهو واقف تحت راية الباطل .. وهما صفان متميزان لا يختلطان ولا يتميعان!!
لا نسب ولا صهر ، ولا أهل ولا قرابة ، ولا وطن ولا جنس ، ولا عصبية ولا قومية .. إنما هي العقيدة ، والعقيدة وحدها. فمن انحاز إلى حزب الله ووقف تحت راية الحق فهو وجميع الواقفين تحت هذه الراية إخوة في الله. تختلف ألوانهم وتختلف أوطانهم ، وتختلف عشائرهم وتختلف أسرهم ، ولكنهم يلتقون في الرابطة التي تؤلف حزب الله ، فتذوب الفوارق كلها تحت الراية الواحدة. ومن استحوذ عليه الشيطان فوقف تحت راية