ومن رواية عبد
الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ .. قال البخاري : حدثنا يحيى بن كثير ، حدثنا بكر ،
عن جعفر ، عن عراك بن مالك ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ،
قال : انشق القمر في زمان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ .. ورواه البخاري أيضا ومسلم من طريق آخر عن عراك
بسنده السابق إلى ابن عباس .. وروى ابن جرير من طريق أخرى إلى علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس قال : قد مضى ذلك ، كان قبل الهجرة ، انشق القمر حتى رأوا شقيه .. وروى
العوفي عن ابن عباس نحو هذا .. وقال الطبراني بسند آخر عن عكرمة عن ابن عباس قال :
كسف القمر على عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقالوا : سحر القمر ، فنزلت : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ
الْقَمَرُ) ـ إلى قوله : (مُسْتَمِرٌّ).
ومن رواية عبد
الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد
الله الحافظ ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، قالا : حدثنا أبو العباس الأصم ،
حدثنا العباس بن محمد الدوري ، حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن الأعمش ، عن
مجاهد ، عن عبد الله بن عمر في قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قال : وقد كان ذلك على عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ انشق فلقتين فلقة من دون الجبل وفلقة خلف الجبل. فقال
النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «اللهم اشهد» .. وهكذا رواه مسلم والترمذي من طرق
عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد ..
ومن رواية عبد
الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ شقتين حتى نظروا إليه ، فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «اشهدوا». وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث سفيان
بن عيينة. وأخرجاه كذلك من حديث الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة
، عن ابن مسعود. وقال البخاري : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو عوانة ، عن
المغيرة ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : انشق القمر على
عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة. قال : فقالوا :
انظروا ما يأتيكم من السفار ، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم قال : فجاء
السفار فقالوا ذلك .. وروى البيهقي من طريق أخرى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود ،
بما يقرب من هذا.
فهذه روايات
متواترة من طرق شتى عن وقوع هذا الحادث ، وتحديد مكانه في مكة ـ باستثناء رواية لم
نذكرها عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أنه كان في منى ـ وتحديد زمانه في عهد
النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قبل الهجرة. وتحديد هيئته ـ في معظم الروايات أنه
انشق فلقتين ، وفي رواية واحدة أنه كسف (أي خسف) .. فالحادث ثابت من هذه الروايات
المتواترة المحددة للمكان والزمان والهيئة.
وهو حادث واجه
به القرآن المشركين في حينه ؛ ولم يرو عنهم تكذيب لوقوعه ؛ فلا بد أن يكون قد وقع
فعلا بصورة يتعذر معها التكذيب ، ولو على سبيل المراء الذي كانوا يمارونه في
الآيات ، لو وجدوا منفذا للتكذيب. وكل ما روي عنهم أنهم قالوا : سحرنا! ولكنهم هم
أنفسهم اختبروا الأمر ، فعرفوا أنه ليس بسحر ؛ فلئن كان قد سحرهم فإنه لا يسحر
المسافرين خارج مكة الذين رأوا الحادث وشهدوا به حين سئلوا عنه.
بقيت لنا كلمة
في الرواية التي تقول : إن المشركين سألوا النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ آية. فانشق القمر. فإن هذه الرواية تصطدم مع مفهوم نص
قرآني مدلوله أن الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لم يرسل بخوارق من