الغايات ، إنما يعني نفسه بأداء الواجبات ، تحقيقا لمعنى العبادة في الأداء. أما الغايات فموكولة لله ، يأتي بها وفق قدره الذي يريده. ولا داعي لاعتساف الوسائل والطرق للوصول إلى غاية أمرها إلى الله ، وليست داخلة في حساب المؤمن العابد لله.
ثم يستمتع العبد العابد براحة الضمير ، وطمأنينة النفس ، وصلاح البال ، في جميع الأحوال. سواء رأى ثمرة عمله أم لم يرها. تحققت كما قدرها أم على عكس ما قدرها. فهو قد أنهى عمله ، وضمن جزاءه ، عند تحقق معنى العبادة. واستراح. وما يقع بعد ذلك خارج عن حدود وظيفته .. وقد علم هو أنه عبد ، فلم يعد يتجاوز بمشاعره ولا بمطالبه حدود العبد. وعلم أن الله رب ، فلم يعد يتقحم فيما هو من شؤون الرب. واستقرت مشاعره عند هذا الحد ، ورضي الله عنه ، ورضي هو عن الله.
وهكذا تتجلى جوانب من تلك الحقيقة الضخمة الهائلة ، التي تقررها آية واحدة قصيرة : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .. وهي حقيقة كفيلة بأن تغير وجه الحياة كلها عند ما تستقر حقا في الضمير ...
* * *
وفي ضوء هذه الحقيقة الكبيرة ينذر الذين ظلموا فلم يؤمنوا ؛ واستعجلوا وعد الله ، وكذبوا. وتختم السورة بهذا الإنذار الأخير:
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً (١) مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ. فَلا يَسْتَعْجِلُونِ. فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) ..
* * *
__________________
(١) الذنوب : الدلو. وهو كناية عن أن لهم مثل ما أصاب من قبلهم من الظالمين ..