قائمة الکتاب

    إعدادات

    في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم

    في ظلال القرآن [ ج ٦ ]

    في ظلال القرآن [ ج ٦ ]

    134/787
    *

    هذا الكوكب الذي نعيش عليه معرض هائل لآيات الله وعجائب صنعته. معرض لم نستجل منه حتى اللحظة إلا القليل من بدائعه. ونحن نكشف في كل يوم جديدا منه ، ونطّلع منه على جديد .. ومثل هذا المعرض ، معرض آخر مكنون فينا نحن .. النفس الإنسانية .. الخفية الأسرار ، التي تنطوي فيها أسرار هذا الوجود كله ، لا أسرار الكوكب الأرضي وحده!

    وإلى هذين المعرضين الهائلين تشير الآيتان تلك الإشارة المختصرة ، التي تفتح هذين المعرضين على مصاريعهما لمن يريد أن يبصر ، ولمن يريد أن يستيقن ، ولمن يريد أن يملأ حياته حتى تفيض بالمتعة والمسرة ، وبالعبرة الحية ، وبالرصيد القيم من المعرفة الحقة ، التي ترفع القلوب وتضاعف الأعمار!

    والنصوص القرآنية معدة للعمل في جميع الأوساط والبيئات والظروف والأحوال. قادرة على إعطاء رصيد معين لكل نفس ولكل عقل ولكل إدراك. كل بقدر ما يتقبل منها وما يطيق.

    وكلما ارتقى الإنسان في المعرفة ، واتسعت مداركه ، وزادت معلوماته ، وكثرت تجاربه ، واطلع على أسرار الكون وأسرار النفس .. ارتقى نصيبه ، وتضخم رصيده ، وتنوع زاده الذي يتلقاه من نصوص القرآن .. هذا الكتاب الذي «لا تنفد عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرد» كما يقول عنه النبي الذي تلقاه واستوعب أسراره ، وعاش بها. يقول عن تجربة حية وجدها في نفسه فعبر عنها ذلك التعبير ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.

    ولقد وجد الذين سمعوا هذا القرآن أول مرة من آيات الله في الأرض وآياته في النفس ، نصيبهم ، وتسلموا رصيدهم ، وفق معارفهم وتجاربهم وإشراقات نفوسهم. ووجد كذلك كل جيل أتى بعدهم نصيبا يناسب ما تفتح له من أنواع العلوم والمعارف والتجارب. ونجد نحن نصيبنا وفق ما اتسع لنا من رقعة العلم والمعرفة والتجريب ، وما تكشف لنا من أسرار لا تنفد في هذا الكون الكبير. وستجد الأجيال بعدنا نصيبها مدخرا لها من الآيات التي لم تكشف لنا بعد في الأرض والنفس. ويبقى هذان المعرضان الإلهيان الهائلان حافلين بكل عجيب وجديد إلى آخر الزمان.

    هذه الأرض. هذا الكوكب المعد للحياة ، المجهز لاستقبالها وحضانتها بكل خصائصه ، على نحو يكاد يكون فريدا في المعروف لنا في محيط هذا الكون الهائل ، الحافل بالنجوم الثوابت والكواكب السيارة. التي يبلغ عدد المعروف منها فقط ـ والمعروف نسبة لا تكاد تذكر في حقيقة الكون ـ مئات الملايين من المجرات التي تحوي الواحدة منها مئات الملايين من النجوم. والكواكب هي توابع هذه النجوم!

    ومع هذه الأعداد التي لا تحصى فإن الأرض تكاد تنفرد باستعدادها لاستقبال هذا النوع من الحياة وحضانته. ولو اختلت خصيصة واحدة من خصائص الأرض الكثيرة جدا لتعذر وجود هذا النوع من الحياة عليها .. لو تغير حجمها صغرا أو كبرا ، لو تغير وضعها من الشمس قربا أو بعدا. لو تغير حجم الشمس ودرجة حرارتها. لو تغير ميل الأرض على محورها هنا أو هنا. لو تغيرت حركتها حول نفسها أو حول الشمس سرعة أو بطأ. لو تغير حجم القمر ـ تابعها ـ أو بعده عنها. لو تغيرت نسبة الماء واليابس فيها زيادة أو نقصا ... لو. لو. لو ... إلى آلاف الموافقات المعروفة والمجهولة التي تتحكم في صلاحيتها لاستقبال هذا النوع من الحياة وحضانته.

    أليست هذه آية أو آيات معروضة في هذا المعرض الإلهي؟

    ثم. هذه الأقوات المذخورة في الأرض للأحياء التي تسكنها. تسكن سطحها ، أو تسبح في أجوائها ، أو تمخر ماءها ، أو تختبئ في مغاورها وكهوفها ، أو تختفي في مساربها وأجوافها .. هذه الأقوات الجاهزة المركبة والبسيطة والقابلة للوجود في شتى الأشكال والأنواع لتلبي حاجة هذه الأحياء التي لا تحصى ، ولا تحصى أنواع