وطلوع الشمس وغروبها ومشهد الليل الذي يعقب الغروب .. كلها ظواهر مرتبطة بالسماوات والأرض. وهو يربط إليها التسبيح والحمد والسجود. ويتحدث في ظلالها عن الصبر على ما يقولون من إنكار للبعث وجحود بقدرة الله على الإحياء والإعادة. فإذا جو جديد يحيط بتلك اللمسة المكررة. جو الصبر والحمد والتسبيح والسجود. موصولا كل ذلك بصفحة الكون وظواهر الوجود ، تثور في الحس كلما نظر إلى السماوات والأرض ؛ وكلما رأى مطلع الشمس ، أو مقدم الليل ؛ وكلما سجد لله في شروق أو غروب ..
ثم .. لمسة جديدة ترتبط كذلك بالصفحة الكونية المعروضة .. اصبر وسبح واسجد. وأنت في حالة انتظار وتوقع للأمر الهائل الجلل ، المتوقع في كل لحظة من لحظات الليل والنهار. لا يغفل عنه إلا الغافلون. الأمر الذي تدور عليه السورة كلها ، وهو موضوعها الأصيل :
(وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ. يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ. إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ. يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً. ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) ..
وإنه لمشهد جديد مثير ، لذلك اليوم العسير. ولقد عبر عنه أول مرة في صورة أخرى ومشهد آخر في قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ. وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ ..) إلخ.
فأما هنا فعبر عن النفخة بالصيحة. وصور مشهد الخروج. ومشهد تشقق الأرض عنهم. هذه الخلائق التي غبرت في تاريخ الحياة كلها إلى نهاية الرحلة. تشقق القبور التي لا تحصى. والتي تعاقب فيها الموتى. كما يقول المعري :
رب قبر قد صار قبرا مرارا |
|
ضاحك من تزاحم الأضداد |
ودفين على بقايا دفين |
|
في طويل الآجال والآماد |
كلها تشقق ، وتتكشف عن أجساد ورفات وعظام وذرات تائهة أو حائلة في مسارب الأرض ، لا يعرف مقرها إلا الله .. وإنه لمشهد عجيب لا يأتي عليه الخيال!
وفي ظلال هذا المشهد الثائر المثير يقرر الحقيقة التي فيها يجادلون وبها يجحدون : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) .. (ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) .. في أنسب وقت للتقرير ..
وفي ظلال هذا المشهد كذلك يتوجه بالتثبيت للرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ تجاه جدلهم وتكذيبهم في هذه الحقيقة الواضحة المشهودة بعين الضمير :
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ. وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ. فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) ..
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) .. وهذا حسبك. فللعلم عواقبه عليهم .. وهو تهديد مخيف ملفوف.
(وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) .. فترغمهم على الإيمان والتصديق. فالأمر في هذا ليس إليك. إنما هو لنا نحن ، ونحن عليهم رقباء وبهم موكلون ..
(فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) .. والقرآن يهز القلوب ويزلزلها فلا يثبت له قلب يعي ويخاف ما يواجهه به من حقائق ترجف لها القلوب. على ذلك النحو العجيب.
وحين تعرض مثل هذه السورة ، فإنها لا تحتاج إلى جبار يلوي الأعناق على الإيمان. ففيها من القوة والسلطان ما لا يملكه الجبارون. وفيها من الإيقاعات على القلب البشري ما هو أشد من سياط الجبارين!
وصدق الله العظيم ..