مقدّمة المؤلف
إن كثيرا من كتابنا المعاصرين الذين يكتبون في الموضوعات الأخلاقية يوردون أكثر من تعريف للأخلاق ، وينقلون هذه التعريفات عن باحثين غربيين ، كقول بعضهم : الأخلاق هي مجموعة عناصر الشخصية كالفكر والعاطفة والغريزة ، وقول الثاني : الأخلاق طبيعة الإرادة. وقول الثالث : الخلق ميل نفسي يتحكم في الغرائز. وقول الرابع : الأخلاق تنظيم الغرائز. وقول الخامس : الأخلاق تنسيق الميول الطبيعية والعواطف وترتيبها ... إلخ.
ولكن ينبغي لنا ونحن نبدأ دراسة «أخلاق القرآن» أن نعود إلى لغة القرآن ـ وهي اللغة العربية ـ نستنبئها في يسر وسهولة عن معنى الأخلاق.
إن اللغة تقول : الخلق هو السجية والطبع. ويقول الغزالي : إن الخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة ، عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر ، من غير حاجة إلى فكر وروية ، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعا ، سمّيت تلك الهيئة خلقا حسنا ، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا سيئا.
ويقول ابن الأثير : حقيقة الخلق ـ لصورة الإنسان الباطنة ـ وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها ـ بمنزلة الخلق ، لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها ، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة ، والثواب والعقاب مما يتعلقان بأوصاف الصور الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصور الظاهرة.