اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ. أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ. ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا : مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ. إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ. يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) ..
يقول : إنهم يلعبون إزاء ذلك الجد ، ويشكون في تلك الآيات الثابتة. فدعهم إلى يوم هائل عصيب :
(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ. هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) ..
وقد اختلف السلف في تفسير آية الدخان. فقال بعضهم. إنه دخان يوم القيامة ، وإن التهديد بارتقابه كالتهديد المتكرر في القرآن. وإنه آت يترقبونه ويترقبه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم. وقال بعضهم : بل هو قد وقع فعلا ، كما توعدهم به. ثم كشف عن المشركين بدعاء الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فنذكر هنا ملخص القولين وأسانيدهما. ثم نعقب بما فتح الله به ، ونحسبه صوابا إن شاء الله.
قال سليمان بن مهران الأعمش ، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح ، عن مسروق. قال : دخلنا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ عند أبواب كندة. فإذا رجل يقص على أصحابه : (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) .. تدرون ماذا الدخان؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة ، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام. قال : فأتينا ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فذكرنا ذلك له ، وكان مضطجعا ففزع فقعد ، وقال : إن الله عزوجل قال لنبيكم ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : (قُلْ : ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ). إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم : الله أعلم. أحدثكم عن ذلك. إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام ، واستعصت على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ دعا عليهم بسنين كسني يوسف. فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة ؛ وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان ـ وفي رواية فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ـ قال الله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) .. فأتي رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقيل له : يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت. فاستسقى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لهم فسقوا. فنزلت. (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) .. قال ابن مسعود رضي الله عنه : أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ .. فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ، فأنزل الله عزوجل : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) .. قال : يعني يوم بدر. قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فقد مضى خمسة : الدخان ، والروم ، والقمر ، والبطشة ، واللزام» .. وهذا الحديث مخرج في الصحيحين. ورواه الإمام أحمد في مسنده. وهو عند الترمذي والنسائي في تفسيرهما. وعند ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طرق متعددة عن الأعمش به. وقد وافق ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ على تفسير الآية بهذا ، وأن الدخان مضى ، جماعة من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي. وهو اختيار ابن جرير.
وقال آخرون : لم يمض الدخان بعد ، بل هو من أمارات الساعة ، كما ورد في حديث أبي سريحة حذيفة ابن أسيد الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال : أشرف علينا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من عرفة ونحن نتذاكر الساعة ، فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج عيسى ابن مريم ، والدجال ، وثلاثة خسوف ، خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس ـ أو تحشر ـ الناس ـ تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا» .. تفرد بإخراجه مسلم في صحيحه.
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عوف ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش حدثني أبي ، حدثني