(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) .. وهناك توكيد على تخصيص هذه المسألة ، مسألة الهدى ، بمشيئة الله سبحانه ، وتجريدها من كل ملابسة ، وتعليقها بالله وحده يقدرها لمن يشاء بعلمه الخاص ، الذي لا يعرفه سواه ؛ والرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ واسطة لتحقيق مشيئة الله ، فهو لا ينشئ الهدى في القلوب ؛ ولكن يبلغ الرسالة ، فتقع مشيئة الله.
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) .. فهي الهداية إلى طريق الله ، الذي تلتقي عنده المسالك. لأنه الطريق إلى المالك ، الذي له ما في السماوات وما في الأرض ؛ فالذي يهتدي إلى طريقه يهتدي إلى ناموس السماوات والأرض ، وقوى السماوات والأرض ، ورزق السماوات والأرض ، واتجاه السماوات والأرض إلى مالكها العظيم. الذي إليه تتجه ، والذي إليه تصير :
(أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) ..
فكلها تنتهي إليه ، وتلتقي عنده ، وهو يقضي فيها بأمره.
وهذا النور يهدي إلى طريقه الذي اختار للعباد أن يسيروا فيه ، ليصيروا إليه في النهاية مهتدين طائعين.
* * *
وهكذا تنتهي السورة التي بدأت بالحديث عن الوحي. وكان الوحي محورها الرئيسي. وقد عالجت قصة الوحي منذ النبوات الأولى. لتقرر وحدة الدين ، ووحدة المنهج ، ووحدة الطريق. ولتعلن القيادة الجديدة للبشرية ممثلة في رسالة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وفي العصبة المؤمنة بهذه الرسالة. ولتكل إلى هذه العصبة أمانة القيادة إلى صراط مستقيم. صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض. ولتبين خصائص هذه العصبة وطابعها المميز ، الذي تصلح به للقيادة ، وتحمل به هذه الأمانة. الأمانة التي تنزلت من السماء إلى الأرض عن ذلك الطريق العجيب العظيم ..
* * *