هذا الكوكب من الأقوات. والمنثور في جوه من هذه الأقوات أيضا!
وعرفوا وحدة
النواميس التي تربط كوكبهم بالكون الكبير ، وتصرف هذا الكون الكبير. ومنهم من
اهتدى فارتقى من معرفة النواميس إلى معرفة خالق النواميس. ومنهم من انحرف فوقف عن
ظاهر العلم لا يتعداه. ولكن البشرية بعد الضلال والشرود من جراء العلم ، قد أخذت
عن طريق العلم تثوب ، وتعرف أنه الحق عن هذا الطريق.
ولم تكن فتوح
العلم والمعرفة في أغوار النفس بأقل منها في جسم الكون. فقد عرفوا عن الجسم البشري
وتركيبه وخصائصه وأسراره الشيء الكثير. عرفوا عن تكوينه وتركيبه ووظائفه وأمراضه ،
وغذائه وتمثيله ، وعرفوا عن أسرار عمله وحركته ، ما يكشف عن خوارق لا يصنعها إلا
الله.
وعرفوا عن
النفس البشرية شيئا .. إنه لا يبلغ ما عرفوه عن الجسم. لأن العناية كانت متجهة
بشدة إلى مادة هذا الإنسان وآلية جسمه أكثر مما كانت متجهة إلى عقله وروحه. ولكن
أشياء قد عرفت تشير إلى فتوح ستجيء ..
وما يزال
الإنسان في الطريق!
ووعد الله ما
يزال قائما : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا
فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) ..
والشطر الأخير
من الوعد قد بانت طلائعه منذ مطلع هذا القرن بشكل ملحوظ. فموكب الإيمان يتجمع من
فجاج شتى. وعن طريق العلم المادي وحده يفد كثيرون! وهناك أفواج وأفواج تتجمع من
بعيد. ذلك على الرغم من موجة الإلحاد الطاغية التي كادت تغمر هذا الكوكب في
الماضي. ولكن هذه الموجة تنحسر الآن. تنحسر ـ على الرغم من جميع الظواهر المخالفة
ـ وقد لا يتم تمام هذا القرن العشرين الذي نحن فيه ، حتى يتم انحسارها أو يكاد إن
شاء الله. وحتى يحق وعد الله الذي لا بد أن يكون :
(أَوَلَمْ يَكْفِ
بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ؟) ..
وهو الذي أعطى
وعده عن علم وعن شهود.
(أَلا إِنَّهُمْ فِي
مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) ..
ومن ثم يقع ما
يقع منهم ، بسبب هذا الشك في اللقاء. وهو أكيد.
(أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ مُحِيطٌ) ..
فأين يذهبون عن
لقائه وهو بكل شيء محيط؟
انتهى الجزء الرابع والعشرون
ويليه الجزء الخامس والعشرون
مبدوءا بسورة الشورى