وستجري الشمس وسيجري القمر (لِأَجَلٍ مُسَمًّى) .. لا يعلمه إلا الله سبحانه.
(أَلا هُوَ الْعَزِيزُ
الْغَفَّارُ) ..
فمع القوة
والقدرة والعزة ، هو غفار لمن يتوب إليه وينيب ، ممن يكذبون عليه ويكفرون به ،
ويتخذون معه آلهة ، ويزعمون له ولدا ـ وقد سبق حديثهم ـ والطريق أمامهم مفتوح
ليرجعوا إلى العزيز الغفار ..
* * *
ومن تلك اللفتة
إلى آفاق الكون الكبير ، ينتقل إلى لمسة في أنفس العباد ؛ ويشير إلى آية الحياة
القريبة منهم في أنفسهم وفي الأنعام المسخرة لهم :
(خَلَقَكُمْ مِنْ
نَفْسٍ واحِدَةٍ. ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها. وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ
الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ. يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً
مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ. ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ؟).
وحين يتأمل
الإنسان في نفسه. نفسه هذه التي لم يخلقها. والتي لا يعلم عن خلقها إلا ما يقصه
الله عليه. وهي نفس واحدة. ذات طبيعة واحدة. وذات خصائص واحدة. خصائص تميزها عن
بقية الخلائق ، كما أنها تجمع كل أفرادها في اطار تلك الخصائص. فالنفس الإنسانية
واحدة في جميع الملايين المنبثين في الأرض في جميع الأجيال وفي جميع البقاع.
وزوجها كذلك منها. فالمرأة تلتقي مع الرجل في عموم الخصائص البشرية ـ رغم كل
اختلاف في تفصيلات هذه الخصائص ـ مما يشي بوحدة التصميم الأساسي لهذا الكائن
البشري. الذكر والأنثى. ووحدة الإرادة المبدعة لهذه النفس الواحدة بشقيها.
وعند الإشارة
إلى خاصية الزوجية في النفس البشرية ترد الإشارة إلى هذه الخاصية في الأنعام كذلك.
مما يشي بوحدة القاعدة في الأحياء جميعا :
(وَأَنْزَلَ لَكُمْ
مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) :
والأنعام
الثمانية كما جاءت في آية أخرى : هي الضأن والمعز والبقر والإبل. من كل ذكر وأنثى.
وكل من الذكر والأنثى يسمى زوجا عند اجتماعهما. فهي ثمانية في مجموعها .. والتعبير
يعبر عن تسخيرها للإنسان بأنه إنزال لها من عند الله. فهذا التسخير منزل من عنده.
منزل من عليائه إلى عالم البشر. ومأذون لهم فيه من عنده تعالى.
ثم يعود ـ بعد
هذه الإشارة إلى وحدة خاصية الزوجية في الناس والأنعام ـ إلى تتبع مراحل الخلق
للأجنة في بطون أمهاتها :
(يَخْلُقُكُمْ فِي
بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) ..
من النطفة إلى
العلقة إلى المضغة إلى العظام. إلى الخلق الواضح فيه عنصر البشرية.
(فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) ..
ظلمة الكيس
الذي يغلف الجنين. وظلمة الرحم الذي يستقر فيه هذا الكيس. وظلمة البطن الذي تستقر
فيه الرحم. ويد الله تخلق هذه الخلية الصغيرة خلقا من بعد خلق. وعين الله ترعى هذه
الخليقة وتودعها القدرة على النمو. والقدرة على التطور : والقدرة على الارتقاء.
والقدرة على السير في تمثيل خطوات النفس البشرية كما قدر لها بارئها.
وتتبع هذه
الرحلة القصيرة الزمن ، البعيدة الآماد ؛ وتأمل هذه التغيرات والأطوار ؛ وتدبر تلك
الخصائص