ولقد دعا إلياس قومه إلى التوحيد ، مستنكرا عبادتهم لبعل ، وتركهم «أحسن الخالقين» ربهم ورب آبائهم الأولين. كما استنكر إبراهيم عبادة أبيه وقومه للأصنام. وكما استنكر كل رسول عبادة قومه الوثنيين.
وكانت العاقبة هي التكذيب. والله سبحانه يقسم ويؤكد أنهم سيحضرون مكرهين ليلقوا جزاء المكذبين. إلا من آمن منهم واستخلصه الله من عباده فيهم.
وتختم اللمحة القصيرة عن إلياس تلك الخاتمة المكررة المقصودة في السورة ، لتكريم رسل الله بالسلام عليهم من قبله. ولبيان جزاء المحسنين. وقيمة إيمان المؤمنين.
وسيرة إلياس ترد هنا لأول مرة في مثل تلك اللمحة القصيرة. ونقف لنلم بالناحية الفنية في الآية : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) فقد روعيت الفاصلة وإيقاعها الموسيقي في إرجاع اسم إلياس بصيغة (إِلْ ياسِينَ) على طريقة القرآن في ملاحظة تناسق الإيقاع في التعبير (١).
* * *
ثم تأتي لمحة عن قصة لوط. التي ترد في المواضع الأخرى تالية لقصة إبراهيم :
(وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ. ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ. وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ؟) ..
وهي أشبه باللمحة التي جاءت عن قصة نوح. فهي تشير إلى رسالة لوط ونجاته مع أهله إلا امرأته. وتدمير المكذبين الضالين. وتنتهي بلمسة لقلوب العرب الذين يمرون على دار قوم لوط في الصباح والمساء ولا تستيقظ قلوبهم ولا تستمع لحديث الديار الخاوية. ولا تخاف عاقبة كعاقبتها الحزينة!
* * *
وتختم هذه اللمحات بلمحة عن يونس صاحب الحوت :
(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ. فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ. وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ. وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ. فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) ..
ولا يذكر القرآن أين كان قوم يونس. ولكن المفهوم أنهم كانوا في بقعة قريبة من البحر. وتذكر الروايات أن يونس ضاق صدرا بتكذيب قومه. فأنذرهم بعذاب قريب. وغادرهم مغضبا آبقا. فقاده الغضب إلى شاطئ البحر حيث ركب سفينة مشحونة. وفي وسط اللجة ناوأتها الرياح والأمواج. وكان هذا إيذانا عند القوم بأن من بين الركاب راكبا مغضوبا عليه لأنه ارتكب خطيئة. وأنه لا بد أن يلقى في الماء لتنجو السفينة من الغرق. فاقترعوا على من يلقونه من السفينة. فخرج سهم يونس ـ وكان معروفا عندهم بالصلاح. ولكن سهمه خرج بشكل أكيد فألقوه في البحر. أو ألقى هو نفسه. فالتقمه الحوت وهو (مُلِيمٌ) أي مستحق للوم ، لأنه تخلى عن المهمة التي أرسله الله بها ، وترك قومه مغاضبا قبل أن يأذن الله له. وعند ما أحس بالضيق في بطن الحوت سبح الله واستغفره وذكر أنه كان من الظالمين. وقال : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). فسمع الله دعاءه واستجاب له. فلفظه الحوت. (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). وقد خرج من بطن الحوت سقيما عاريا على الشاطئ. (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ). وهو القرع. يظلله
__________________
(١) يراجع فصل التناسق الفني في كتاب : «التصوير الفني في القرآن» فقرة الإيقاع الموسيقي «دار الشروق».