وفي هذا السياق يستعرض طرفا من قصص نوح ، وإبراهيم ، وإسماعيل وإسحاق ، وموسى وهارون ، وإلياس ، ولوط ، ويونس .. ويقف وقفة أطول أمام قصة إبراهيم وإسماعيل. يعرض فيها عظمة الإيمان والتضحية والطاعة ، وطبيعة الإسلام الحقيقية كما هي في نفسي إبراهيم وإسماعيل ، في حلقة لا تعرض في غير هذه السورة ، ولا ترد إلا في هذا السياق .. وهذا القصص هو قوام هذا الدرس الأصيل ..
* * *
«إنهم ألفوا آباءهم ضالين ، فهم على آثارهم يهرعون. ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين. ولقد أرسلنا فيهم منذرين. فانظر كيف كان عاقبة المنذرين. إلا عباد الله المخلصين» ..
إنهم عريقون في الضلالة ، وهم في الوقت ذاته مقلدون لا يفكرون ولا يتدبرون ؛ بل يطيرون معجلين يقفون خطى آبائهم الضالين غير ناظرين ولا متعقلين :
«إنهم ألفوا آباءهم ضالين ، فهم على آثارهم يهرعون» ..
وهم وآباؤهم صورة من صور الضلال التي يمثلها أكثر الأولين :
«ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين».
وكان ضلالهم بعد الإنذار والتحذير :
«ولقد أرسلنا فيهم منذرين» ..
ولكن كيف كانت العاقبة؟ كيف كانت عاقبة المكذبين؟ وكيف كانت عاقبة عباد الله المخلصين؟ إنها معروضة في سلسلة القصص. وهذا الإعلان في مقدمتها للتنبيه :
«فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ، إلا عباد الله المخلصين» ..
* * *
ويبدأ بقصة نوح في إشارة سريعة تبين العاقبة ، وتقرر عناية الله بعباده المخلصين :
«ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون. ونجيناه وأهله من الكرب العظيم. وجعلنا ذريته هم الباقين. وتركنا عليه في الآخرين ، سلام على نوح في العالمين. إنا كذلك نجزي المحسنين. إنه من عبادنا المؤمنين. ثم أغرقنا الآخرين».
وتتضمن هذه الإشارة توجه نوح بالنداء إلى ربه ، وإجابة دعوته إجابة كاملة وافية. إجابتها من خير مجيب. الله سبحانه. «فلنعم المجيبون». وتتضمن نجاته هو وأهله من الكرب العظيم. كرب الطوفان الذي لم ينج منه إلا من أراد له الله النجاة وقدر له الحياة .. وتتضمن قدر الله بأن يجعل من ذرية نوح عمارا لهذه الأرض وخلفاء. وأن يبقى ذكره في الأجيال الآتية إلى آخر الزمان : «وتركنا عليه في الآخرين» ... وتعلن في الخافقين سلام الله على نوح. جزاء إحسانه : «سلام على نوح في العالمين. إنا كذلك نجزي المحسنين» .. وأي جزاء بعد سلام الله. والذكر الباقي مدى الحياة! أما مظهر الإحسان وسبب الجزاء فهو الإيمان : «إنه من عبادنا المؤمنين» .. وهذه هي عاقبة المؤمنين .. فأما غير المؤمنين من قوم نوح فقد كتب الله عليهم الهلاك والفناء : «ثم أغرقنا الآخرين» .. ومضت سنة الله منذ فجر البشرية البعيد. وفق ذلك الإجمال في مقدمة القصص : «ولقد أرسلنا فيهم منذرين. فانظر كيف كان عاقبة المنذرين. إلا عباد الله المخلصين» ..
* * *
ثم تجيء قصة إبراهيم. تجيء في حلقتين رئيسيتين : حلقة دعوته لقومه ، وتحطيم الأصنام ، وهمهم به