(١١) سورة هود مكية
وآياتها ثلاث وعشرون ومائة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هذه السورة مكية بجملتها. خلافا لما ورد في المصحف الأميري من أن الآيات (١٢ ، ١٧ ، ١١٤) فيها مدنية. ذلك أن مراجعة هذه الآيات في سياق السورة تلهم أنها تجيء في موضعها من السياق ، بحيث لا يكاد يتصور خلو السياق منها بادئ ذي بدء. فضلا على أن موضوعاتها التي تقررها هي من صميم الموضوعات المكية المتعلقة بالعقيدة ، وموقف مشركي قريش منها ، وآثار هذا الموقف في نفس رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والقلة المسلمة معه ، والعلاج القرآني الرباني لهذه الآثار ..
فالآية ١٢ مثلا هذا نصها : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا : لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ! إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ). وواضح أن هذا التحدي وهذا العناد من قريش إلى الحد الذي يضيق به صدر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بحيث يحتاج إلى التسرية عنه ، والتثبيت على ما يوحى إليه ؛ إنما كان في مكة ؛ وبالذات في الفترة التي تلت وفاة أبي طالب وخديجة ، وحادث الإسراء ، وجرأة المشركين على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتوقف حركة الدعوة تقريبا ؛ وهي من أقسى الفترات التي مرت بها الدعوة في مكة ..
والآية ١٧ هذا نصها : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ، وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ، وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً؟ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ، فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ، إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) .. وواضح كذلك أنها من نوع القرآن المكي واتجاهه في مواجهة مشركي قريش بشهادة القرآن للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بأنه إنما يوحى إليه من ربه ؛ وبشهادة الكتب السابقة وبخاصة كتاب موسى ؛ وبتصديق بعض أهل الكتاب به ـ وهذا ما كان في مكة من أفراد من أهل الكتاب ـ واتخاذ هذا قاعدة للتنديد بموقف المشركين. وتهديد الأحزاب منهم بالنار. مع تثبيت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على الحق الذي هو معه ، في وجه توقف الدعوة ، وعناد الأكثرية الغالبة في مكة وما حولها من القبائل .. وليس ذكر كتاب موسى بشبهة على مدنية الآية. فهي ليست خطابا لبني إسرائيل ولا تحديا لهم ـ كما هو العهد في القرآن المدني ـ ولكنها استشهاد بموقف تصديق من بعضهم ؛ وبتصديق كتاب موسى ـ عليهالسلام ـ لما جاء به محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهذا أشبه بالموقف في مكة في هذه الفترة الحرجة ، ومقتضياتها الواضحة.