فما بال هؤلاء
المشركين يستعجلون بالعذاب ، ويهزأون بالوعيد ، بسبب إملاء الله لهم حينا من
الزمان إلى أجل معلوم؟.
* * *
وعند هذا الحد
من عرض مصارع الغابرين ، وبيان سنة الله في المكذبين .. يلتفت السياق بالخطاب إلى
رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لينذر الناس ويبين لهم ما ينتظرهم من مصير :
(قُلْ : يا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ. فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ، وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي
آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) ..
ويمحض السياق
وظيفة الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في هذا المقام للإنذار : (إِنَّما أَنَا لَكُمْ
نَذِيرٌ مُبِينٌ) .. لما يقتضيه التكذيب والاستهزاء واستعجال العذاب من
إبراز الإنذار. ثم يأخذ في تفصيل المصير :
فأما الذين
آمنوا وأتبعوا إيمانهم بثمرته التي تدل على تحققه : (وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ) فجزاؤهم «مغفرة من ربهم ، لما سلف من ذنوبهم أو تقصيرهم
، (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) غير متهم ولا مهين!
وأما الذين
بذلوا غاية جهدهم في تعطيل آيات الله عن أن تبلغ القلوب ، وتتحقق في حياة الناس ـ وآيات
الله هي دلائله على الحق وهي شريعته كذلك للخلق ـ فأما هؤلاء فقد جعلهم مالكين
للجحيم ـ ويا لسوئها من ملكية ـ في مقابل ذلك الرزق الكريم!
* * *
والله الذي
يحفظ دعوته من تكذيب المكذبين ، وتعطيل المعوقين ، ومعاجزة المعاجزين .. يحفظها
كذلك من كيد الشيطان ، ومن محاولته أن ينفذ إليها من خلال أمنيات الرسل النابعة من
طبيعتهم البشرية. وهم معصومون من الشيطان ولكنهم بشر تمتد نفوسهم إلى أمانيّ تتعلق
بسرعة نشر دعوتهم وانتصارها وإزالة العقبات من طريقها. فيحاول الشيطان أن ينفذ من
خلال أمانيهم هذه فيحول الدعوة عن أصولها وعن موازينها .. فيبطل الله كيد الشيطان
، ويصون دعوته ، ويبين للرسول أصولها وموازينها ، فيحكم آياته ، ويزيل كل شبهة في
قيم الدعوة ووسائلها :
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي
أُمْنِيَّتِهِ ، فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ، ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ
آياتِهِ ، وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً
لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ،
وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ..
لقد رويت في
سبب نزول هذه الآيات روايات كثيرة ذكرها كثير من المفسرين. قال ابن كثير في تفسيره
: «ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح. والله أعلم».
وأكثر هذه
الروايات تفصيلا رواية ابن أبي حاتم. قال : حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي ، حدثنا
محمد بن إسحاق الشيبي ، حدثنا محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، قال
: أنزلت سورة النجم ، وكان المشركون يقولون : لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير
أقررناه وأصحابه ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر
آلهتنا من الشتم والشر. وكان رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم ، وأحزنه ضلالهم ؛ فكان
يتمنى هداهم. فلما أنزل