(وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) ..
وقصة لوط قد سبقت مفصلة. وهو يشير إليها هنا مجرد إشارة. وقد صحب عمه إبراهيم من العراق إلى الشام ، وأقام في قرية سدوم. وكانت تعمل الخبائث. وهي إتيان الفاحشة مع الذكور جهرة وبلا حياء أو تحرج. فأهلك الله القرية وأهلها : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ). وأنجى لوطا وأهله إلا امرأته. (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) .. وكأنما الرحمة مأوى وملاذ يدخل الله فيه من يشاء ، فإذا هو آمن ناعم مرحوم.
* * *
ويشير إلى نوح إشارة سريعة كذلك :
(وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ ، فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ. وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) ..
وهي إشارة كذلك لا تفصيل فيها. لإثبات استجابة الله لنوح ـ عليهالسلام ـ حين ناداه (مِنْ قَبْلُ) وهو سابق لإبراهيم ولوط. ولقد أنجاه الله وأهله كذلك. إلا امرأته ، وأهلك قومه بالطوفان وهو (الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) الذي وصفه بالتفصيل في سورة هود.
* * *
ثم يفصل بعض الشيء في حلقة من قصة داود وسليمان :
(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ؛ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ. فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ. وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً. وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ. وَكُنَّا فاعِلِينَ. وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ، فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ؟).
(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها ، وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ. وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ ، وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ ، وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) ..
وقصة الحرث التي حكم فيها داود وسليمان يقول الرواة في تفصيلها : إن رجلين دخلا على داود ، أحدهما صاحب حرث أي حقل وقيل حديقة كرم ـ والآخر صاحب غنم. فقال صاحب الحرث : إن غنم هذا قد نفشت في حرثي ـ أي انطلقت فيه ليلا ـ فلم تبق منه شيئا. فحكم داود لصاحب الحرث أن يأخذ غنم خصمه في مقابل حرثه .. ومر صاحب الغنم بسليمان ؛ فأخبره بقضاء داود. فدخل سليمان على أبيه فقال : يا نبي الله إن القضاء غير ما قضيت. فقال : كيف؟ قال : ادفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بها ، وادفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه حتى يعود كما كان. ثم يعيد كل منهما إلى صاحبه ما تحت يده. فيأخذ صاحب الحرث حرثه ، وصاحب الغنم غنمه .. فقال داود : القضاء ما قضيت. وأمضي حكم سليمان.
وكان حكم داود وحكم سليمان في القضية اجتهادا منهما. وكان الله حاضرا حكمهما ، فألهم سليمان حكما أحكم ، وفهمه ذلك الوجه وهو أصوب.
لقد اتجه داود في حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث. وهذا عدل فحسب. ولكن حكم سليمان تضمن مع العدل البناء والتعمير ، وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير. وهذا هو العدل الحي الإيجابي في صورته البانية الدافعة. وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء.
ولقد أوتي داود وسليمان كلاهما الحكمة والعلم : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) .. وليس في قضاء داود من