الفصاحة ، والإعجاز ، وإيفاء المعنى ، والاختصار ، وجميع وجوه وفنون البلاغة ، والطبقة العليا من الكلام العربيّ الفصيح ، حتّى لقد طوتْ بلاغته صفحات بلغاء قريش وأدبائها وشعرائها وخطبائها وكهّانها ، ولهذا اعتنى الأُدباء والبلغاء كلّ العناية بكلمات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمعاً وشرحاً وتدويناً ، وحذوا حذوها ، وساروا على نهجها ، وأخذوا منها فنون الفصاحة والمعاني السامية ؛ وذلك على مرّ العصور وفي جميع الأزمان ، حتّى كان معاصروه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليتشوّقون إلى سماع كلماته والاهتداء بهديها ، وكان السبّاق إلى هذا السبيل من هذا المعين إمام البلاغة ، وربيب النبوّة ، وغَذِيّ الوحي : ابن عمّه ووصيّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، الذي كان كلامه مَضْرَب المثل في البلاغة بعد كلام الله وكلام رسوله ، حتّى قال حبر الأُمّة عبـد الله بن العبّاس : «وجدنا كلام عليّ دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوق»(١).
ولقد تنبّه إلى مشربي الفصاحة ـ أعني : رسول الله محمّـد بن عبـد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ـ عبـد الواحد التميمي الآمدي ، فكان منه أن جمع كلماتهما كلاًّ على انفراد في كتاب مستقلّ :
الأوّل منهما : جواهر الكلام في الحِكَم والأحكام من قصر أخبار سيّد الأنام (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو هذا الكتاب الذي بين يديك.
وثانيهما : غرر الحِكَم ودرر الكلم من كلمات أمير المؤمنين عليهالسلام.
فجمع من ذلك ما تعثّر أو تعذّر جمعه على أهل زمانه ، وكان كتاباه
__________________
(١) جواهر المطالب لابن الدمشقي ١ / ٢٩٩.